للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما هذه الآيات التي نتفيؤ الآن ظلالها إلا بمثابة جواهر ثلاث من عقد النعم الذي طوقه الله تعالى جيد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر الانتصار، فهو يمنه عليهم ويذكرهم به، ليبين لهم أن الذي أولاهم تلك النعم، ووهبهم ذلك الإحسان والإفضال لم يكن في انتزاعه الغنائم منهم ساعة اختلفوا في قسمتها وتنازعوا فيها، ليجعلها له ولرسوله يحكم فيها تعالى بما يشاء، ويقسمها الرسول على ما يريد، لم يكن ذلك عن بغض لهم، ولا عن إرادة شر، أو سوء بهم، وإنما كان من باب مزيدهم إفضالاً فوق الإفضال وإنعاماً وإحساناً فوق الإنعام والإحسان، فهو تعالى يقول لهم: اذكروا الوقت الذي أحاطت بكم المخاوف من كل جانب، وانتابكم الفزع، واستبد بكم القلق ففزعتم إلى ربكم تستغيثون، فأمدكم بألف من الملائكة مردفين، فكانت تلامس أرواحكم فتقوى عزائمكم، وتخالط صفوفكم فيشتد بها أزركم، ويحمي ظهركم، واذكروا ليلة لقائكم عدوكم والخوف الشديد يساوركم فيطرد النوم من أعينكم، فما أنتم ساعتها إلا نفوس حائرة وأعصاب ثائرة مرتاعون ارتياع من طار قلبه وفارقه عزمه، وعيل صبره. كيف غشاكم ربكم برداء رحمته بنعاس خالط الأجفان، فكان الأمان، فبه زالت المخاوف، وذهب القلق، فسكنت لذلك القلوب وهدأت الأعصاب، وقضيتم ليلتكم نائمين إلا ما كان من نبيكم عليه صلوات وسلام ربكم فإنه قضى ليلته يناجي ربه، ويسأله إنجاز وعده.

واذكروا إذ سبقكم عدوكم إلى الماء فنزل عليه، وحال بينكم وبين الوصول إليه، فقبض بذلك على زمام المعركة، وعزم على أن يقودها نصراً له وهزيمة عليكم، وكيف أنزل عليكم ربكم من السماء ماءً فأزال به ظمأكم، وطهر به أحداثكم، وأبعد وسواس الشيطان من صدوركم، ربط به القلوب، وثبتت به الأقدام.

لعلك، أخي القارئ، قد أدركت بهذا وجه المناسبة والصلة بين الآيات السابقة وهذه اللاحقة، فنمضي معك الآن قدماً في تفيء ظلال هذه الآيات.