فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله من سائر المعبودات ليس بإله حق بل إنه باطل. وأن الإله الحق إنما هو الله وحده لا شريك له- كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(١) مع قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(٢) .
ونحوهما من الآيات وما صح من الأحاديث التي فيها بيان حقيقة هذه الكلمة من حيث مدلولها ومقتضاها.
ومما يشهد لهذا المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لكفار قريش "قولوا لا إله إلا الله "قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(٣) ففهموا من هذه الكلمة أنها تبطل عبادة الأصنام كلها وتحصر العبادة لله وحده. ومثل ذلك قوم هود لما دعاهم هود عليه السلام إلى قول لا الله إلا الله قالوا:{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
فتبين بهذا أن معنى لا إله إلا الله ومقتضاها: إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه، وأن معنى الإله هو المألوه: أي المعبود فإذا قال العبد لا إله إلا الله: فقد أعلن وجوب إفراد الله بالعبادة وبطلان عبادة ما سواه من الأصنام والقبور والأولياء وغيرهم.
وبهذا يبطل: ما يعتقده عباد القبور اليوم وأشباههم من أن معنى لا إله إلا الله: هو الإقرار بوجود الله، أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع وأشباه ذلك. أو أن معناها: لا حاكميه إلا لله، ويظنون أن من اعتقد ذلك وفسر به لا إله إلا الله، فقد حقق التوحيد المطلق، ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله كالاعتقاد بالأموات، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور والطواف بقبورهم والتبرك بتربهم.