وما شعر هؤلاء أن كفار العرب يشاركونهم في هذا الاعتقاد ويقرون بأن الله هو الخالق القادر على الاختراع. قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}(١) وأنهم ما عبدوا غيره إلا لزعمهم أنهم يقربونهم إلى الله زلفى. كما قال تعالى عنهم:{... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى ...}(٢) . لا أنهم يخلقون ويرزقون.
ولو كان معنى لا إله إلا الله ما زعمه هؤلاء لم يكن بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين نزاع بل كانوا يبادرون إلى إجابته صلى الله عليه وسلم إذ يقول لهم- بزعم هؤلاء- قولوا لا الله إلا الله- بمعنى: لا قادر على الاختراع إلا الله. لكن القوم- وهم أهل اللسان العربي- فهموا أنهم إذا قالوا لا إله إلا الله: فقد أقروا ببطلان عبادة الأصنام. ولهذا نفروا منها وقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(٣) فعرفوا أن لا الله إلا الله تقتضي ترك عبادة ما سوى الله وإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، وأنهم لو قالوها واستمروا على عبادة ما سوى الله لتناقضوا مع أنفسهم. وعباد القبور اليوم لا يأنفون من هذا التناقض، فهم يقولون لا إله إلا الله ثم ينقضونها بعبادة الأموات والتقرب إلى الأضرحة بأنواع من العبادات (٤) .
وبهذا يتضح أن معناها الصحيح:- هو ما ذكرناه في البداية- من نفي الألوهية الحقة عما سوى الله وإثباتها لله وحده لا شريك له.