ومن هنا يتبين لنا أنه لا ينتفع قائلوا الشهادة- وإن كانوا عالمين بمعناها علماً يقينا إلا إذا كانوا مخلصين في عبادتهم لله وحده. والمخلصون هم: الذين كانت أعمالهم كلها لله- سواء كانت قلبية أو قوليه أو عملية- لله وحده لا شريك له لا يريدون بها من الناس جزاءً ولا شكورا ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمودة والمنزلة في قلوبهم، ولا هرباً من ذمهم.
فلابد من الإخلاص لله تعالى في جميع أنواع العبادة، وهو ما تقتضيه شهادة أن لا إله إلا الله قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في قوله تعالى:{ ... فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(١) : "إنه ربكم وخالقكم ومن قبلكم وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فلا ترغبوا عنه إلى غيره بل أخلصوا له العبادة بجميع أنواعها فيما تطلبونه من قليل أو كثير"
ولم يحقق الإخلاص لله تعالى من دعا غيره وإن كان نبيا أو صالحاً أو ملكاً أو استشفع بجاههم أو ذاتهم إلى الله تعالى في طلب خير أو كشف ضر قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً , أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}(٢) .
كذلك لم يحقق الإخلاص لله تعالى من أطاع غيره وغير رسوله في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله عن رضا وطمأنينة قلب- قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(٣) أي اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله. فسرها بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده (٤) .