للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبهذا يظهر أن البداهة هنا قد تكون في جملة واحدة وقد تكون في جملتين.

ويظهر أيضا نوعٌ من التداخل في بعض البدهيات من هذا النوع مع البدهية اللغوية وذلك أن بدهيتها وإن كانت راجعة إلى العادة، فإن اللغة قد صبغتها بصبغتها فهي بدهية عادية لغوية فمثلا في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: {مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} (١) . فمن المعلوم لغة وعادة أنَّ كل أحد كان في المهد صبيا.

وقد بذلتُ ما في وسعي لتصور تقسيم لهذا النوع من البدهيات فظهر لي ما أُدركُ أنَّه بحاجة إلى زيادة استيعاب واستقصاء وإعادة فكر، وتقليب نظر وما أرسمه على كل حال ليس إلا خطوة في طريق جديد وطويل. أما ما ظهر لي من الأقسام فهي:

- القسم الأول: الجمع بين الشيء ولازمه.

- القسم الثاني: الجمع بين الشيء وآلته.

- القسم الثالث: إثبات الشيء ونفي نقيضه.

- القسم الرابع: الأمر بالشيء والنهي عن نقيضه.

- القسم الخامس: الجملة الخبرية القطعية الثبوت.

وسأكتفي هنا بذكر مثال واحد لكل قسم منها:

القسم الأول: الجمع بين الشيء ولازمه:

ومثاله قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ} (٢) .

فمن المعلوم أنَّ قتل النبيين لا يكون بحق مطلقا لمن لازم يقتلون النبيين أن يكون بغير الحق، إذ لا يجوز أن يُقتل نبي بحقٍ أبدا (٣) .

فقيل: معناه بغير الحق في اعتقادهم، ولأن التصريح بصفة فعلهم القبيح أبلغ في ذمهم، وإن كانت تلك الصفة لازمة للفعل كما في عكسه كقوله: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَق} (٤) لزيادة معنى التصريح بالصفة، كذا قال الرازي في مسائله , وقال بنحوه الزمخشري , وأبو حيان , والآلوسي وابن عاشور , وعلى هذا فاللام عندهم في (الحق) للعهد.