للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفائدةُ ذلك بيان أنها أموات لا يعقب موتها حياة, احترازا عن أموات يعقب موتها حياة, كالنطف والبيض والأجساد الميتة, وذلك أبلغ في موتها كأنه قال: "أموات في الحال غير أحياء في المآل" , قال الفخر الرازي: "الإِله هو الحي الذي لا يحصل عقيب حياته موت, وهذه الأصنام أموات لا يحصل عقيب موتها الحياة".

وقال الرازي: "والوجه الثاني: أَنَّ هذا الكلام مع الكفار الذين يعبدون الأوثان وهم في نهاية الجهالة والضلالة, ومن تكلم مع الجاهل الغر الغبي فقد يحسن أن يُعَبِّرَ عن المعنى الواحد بالعبارات الكثيرة, وغرضه منه الإِعلام بكون ذلك المخاطب في غاية الغباوة, وإنه إنما يعيد تلك الكلمات لكون ذلك السامع في نهاية الجهالة, وأنه لا يفهم المعنى المقصود بالعبارة الواحدة".

قلت: وفي هذا مبالغة لأن المخاطبين ليسوا على هذه الدرجة الموصوفة من الغباء وعدم الفهم بل كانوا يدركون ذلك ويفهمونه ويعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه التقليد الأعمى والعناد المستكبر, وقد بين الله ذلك في آيات كقوله سبحانه في سورة الشعراء على لسان إبراهيم عليه السلام مخاطبا قومه حين قالوا: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ, قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ, أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} . فلم يثبتوا ذلك أو يدعو بل بينوا إنه مجرد التقليد {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (١) , ولعل الأصوب أن يقال: إن في هذا الأسلوب تنزيلا لهم منزلة من لا يفهم باعتبار عدم استجابتهم لنداء الحق.

ومن الأجوبة على ذلك قولهم: إنه إنما قال: {غَيْرُ أَحْيَاءٍ} ليعلم أنه أراد أمواتا في الحال لا أنها ستموت كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (٢) (٣) .

القسم الرابع: الأمر بالشيء والنهي عن نقيضه: