أما الأرض التي بين الشجر فقد جوَّز المزارعة عليها كل من جوّزها في الأرض البيضاء سواء أفردها بالعقد أو جمع بينها وبين المساقاة. واختلف في ذلك الذين منعوها في الأرض البيضاء فقال أبو حنيفة وزفر:"لا تجوز المزارعة عليها لا منفرد ولا مع المساقاة" وقال الشافعي: "يجوز ذلك بشرط اتحاد العامل وتعذر أفراد النخل بالسقي والأرض بالعمارة" واختلف في اشتراط اتحاد العقد وتساوى الحصة من التمر والزرع وعدم كثرة البياض وجواز كون البذر من العامل. وظاهر حديث خيبر حجة لمن جوزه مطلقا فإن قيل لعله ساقى في خيبر قوما وزارع آخرين بالشروط المجوِّزة، أو كانت الأرض المزارع عليها بين النخيل فجاز تبعا. قلنا: تقدم الجواب عن ذلك فإنه خلاف الظاهر وعمل الناس فلا يعوّل عليه من غير دليل فإن قيل: فهل لمن منع المزارعة طريق إلى أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء؟ قلنا: نعم وتفصيل ذلك: أن البذر إما أن يكون منهما أو من أحدهما إما المالك أو العامل, فإن كان البذر بينهما فلهما ثلاث طرق (١) :
أحدها: قاله الشافعي وهو أن يعير صاحب الأرض نصفها للعامل ويتبرع العامل بمنفعة بدنه وآلاته فيما يخص صاحب الأرض.
الثاني: عن المزني رحمه الله أن يكري صاحب الأرض (نصفها) للعامل بدينار مثلا ثم يكتري العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بدينار ثم يتقاصان.
الثالث: وهو أحوطها أن يكري صاحب الأرض نصف أرضه للعامل بنصف منافع العامل ومنافع آلاته في تلك الزراعة. وإن كان البذر من صاحب الأرض فله طرق:
أحدها: أن يعير العامل نصف الأرض ويستأجره بنصف البذر على العمل في النصف الآخر بنفسه وآلاته.
الثاني: أن يستأجره بنصف البذر ونصف منفعة الأرض على بذر النصف الآخر في نصف الأرض الآخر.
الثالث: أن يقرضه نصف البذر ويكريه نصف الأرض بنصف عمله وعمل آلاته فلا يبقى عليه إلا رد القرض خاصة.