للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم جدَّت أمور، وتبدلت أحوال، فتكدَّر صفو اللُّغة، وضعفت السَّلائق واختلَّت، فنشأت الحاجة إلى ضوابط للغة من خارج السليقة يلجأ إليها المتكلِّم، وتساعد السَّامع على فهم اللُّغة على الوجه الأكمل.

وكان ظهور ذلك على وجه التَّحديد في الصدر الأول للإسلام إبَّان الخلافة الرَّاشدة في المدينة، ثم تفاقم الأمر وازدادت الحاجة - فيما بعد - فتهيأت العوامل لنشأة الدَّرس اللّغوي ابتداءً في المدينة، كظهور اللحن، وتهديده لغة الدِّين الإِسلامي، وزحفه إلى النَّص القرآني الكريم.

ويمكن أن نوجز هذه العوامل الّتي أدَّت إلى نشأة الدَّرس اللُّغوي والنَّحوي على وجه الخصوص في ثلاثة عوامل، وهي:

١- ظهور اللحن وانتشاره.

٢- حماية القرآن من اللحن.

٣- فهم القرآن ودرسه.

وفيما يلي تفصيل لهذه العوامل الثلاثة:

أولاً: ظهور اللحن وانتشاره

للحن معان، منها ما اصطلح عليه النُّحاة، وهو مخالفة العرب في سنن كلامهم، أو كما يقول ابن فارس: "إمالة الكلام عن جهته الصَّحيحة في العربية". وهو الذي يعنينا من معانيه في هذا البحث.

ويميل كثير من الباحثين إلى أنَّ اللحن بهذا المعنى لم يكن معروفاً في العصر الجاهلي، وإنّما شاع في العصر الإسلامي في المدينة ابتداءً، بسبب اختلاط العرب بغيرهم، ودخول الأعاجم في دين الله أفواجاً، واتّصال العرب بالأمم المجاورة.