للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد شغلني هذا البحث زمنا ليس بالقصير، وأنفقت فيه جهدا في البحث في المصادر، واستقصاء الأقوال، والتَّنقيب في تراجم الرِّجال من اللُّغويين والنّحاة والقرَّاء والمحدِّثين والأدباء، وكنت كمن يجمع اللآلئ من أعماق المحيط في صبر وأناة، حتَّى منَّ الله عليه بما تقرُّ به العين، ولذلك كانت سعادتي بإنجازه كبيرة، مع أني لا أدَّعي الإحاطة والاستيعاب.

فأرجو من الله أن ينفع به وألا يحرمني ثوابه، وآمل من زملائي الباحثين والمحققين أن يرقعوا ثقوبه ويستروا عيوبه، بإصلاح ما طغى به القلم، وزاغ عنه البصر، وقصّر عنه الفهم، فالإِنسان محل النِّسيان، وعلى الله التكلان، ومنه العون والتَّوفيق.

وكتب

عبد الرَّزّاق بن فرّاج الصَّاعديّ

المدينة النَّبويَّة في: ٢٠/١٢/ ١٤١٦هـ

الفصل الأول

عوامل نشأة الدَّرس اللُّغويّ

كانت العربية في العصر الجاهلي نقية صافية بفضل الطّبيعة الجغرافية لأرض العرب؛ فالبحر يحيط بجزيرتهم من ثلاث جهات فيحجزهم عن الأمم المجاورة، وتحدّ حياتهم القبليَّة وطبائعهم الاجتماعية من انسياحهم في الأرض باتِّجاه الشَّمال.

لقد هيَّأهم الله - عزَّ وجل - بذلك لأمر عظيم، وهيَّأ لغتهم لأن تكون أداة لذلك الأمر، فكانت لغتهم نقية من الشَّوائب صافية حين نزل القرآن الكريم على نبي الرَّحمة والهدى محمد - صلى الله عليه وسلم -.

كانت العربية في ذلك الوقت نقية تنساب على ألسنة أبنائها بيسر وسهولة في أصواتها وأبنيتها وتراكيبها دون حاجة إلى إعمال فكر أو تكلُّف، وهم يفهمون دلالتها بالفطرة الَّتي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ولم تكن ثمة حاجة لما يعضد السَّليقة وُيقوِّيها كاللُّجوء إلى ضوابط أو قواعد تأتي من خارج الفطرة، فقد كانت السَّليقة اللُّغويَّة هي المهيمنة، وهي الحامية من الخطأ.