ومن العلوم الَّتي نشأت في كنف القرآن العربيَّةُ ومن فروعها الأصوات والنَّحو والدّلالة والمعجم، وكان النَّحو العربي في نشأته من أشد العلوم التصاقا بالقرآن.
وقد أدرك الباحثون المعاصرون الارتباط الوثيق بين القرآن الكريم والعلوم في نشأتها بعامة، والنّحو بخاصة، وفي هذا يقول الدكتور مهدي المخزومي:"وراحت كل طائفة منهم تتَّجه اتِّجاهاً خاصاً في دراسته، فنشأت:
طائفة اتَجه نشاطُها إلى تصحيح متن القرآن عن طريق الرِّواية، وهي طائفة القُرَّاء.
وطائفة راحت تدرس القرآن لتفهم الأحكام الّتي تتضمنها، ممَّا هو لازم لبناء المجتمع، وهي طائفة الفقهاء.
وطائفة اتَّجهت اتّجاهاً لغويًّا، فأخذت تعني بإعراب نصوص القرآن مستعينة برواية اللُّغة، ثم توسَّعت في ذلك، فتناولت بالدِّراسة علل التأليف، أو علل الإعراب، وهي طائفة النُّحاة.
فالنَحو - إذن - وليد التَّفكير في قراءة القرآن".
ويقول الدُّكتور محمد خير الحلواني:"والحق أنَّ نشأة النّحو ترتبط بجذور الحياة الإسلاميَّة في ذلك الزَّمن، وترتدّ إلى ما ترتدّ إليه نشأة العلوم الأخرى من لغوية ودينية وفلسفية، وكان القرآن الكريم محور هذه الجذور، وهو الركيزة الأساسية فيها.
إذن فإن نشأة العربية - بمعناها الاصطلاحي - انطلقت من قراءة القرآن؛ لأنّ القراءة القرآنية هي التي دعت إلى ظهور علم الأصوات الذي نضج عند العرب، فالمقرئ كان مضطراً إلى إخراج الحروف مخرجاً فصيحا وكان مضطراً - أيضاً - إلى معرفة المدّ وقوانينه؛وإلى أحكام الهمز ومعرفة لهجات العرب فيه، كما كان عليه أن يعرف ضوابط الإدغام والإظهار والإقلاب والغنّة.
وإلى جانب هذا كلّه كان القرآن الكريم سبب ظهور علم الغريب، وما جرّ إليه من جمع الشعر والنوادر والرحلات العلمية إلى البوادي ... لأن في كلمات القرآن ما في كلمات الشعر من غرابة أحياناً، تحتاج إلى شرح وتوضيح باعتماد العرف اللغوي السائد يومئذٍ".