للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحق أن نشأة علوم العربيَّة وعلى رأسها النّحو ليست بهذه الدَّرجة من الغموض، ومن الممكن أن يصل الباحث إلى نقطة البداية، أو ما يقرب منها مستعيناً بالقرائن العلميّة والرِّوايات التَّاريخيَّة الكثيرة بعد تخليصها من بعض الشوائب.

ومن خلال ذلك يمكن التّعرُّف على الشَّخصيَّة أو الشٌخصيَّات الّتي كان لها دور بارز في المراحل الأولى لنشأة العربية، والنّحو خاصة.

على أنّي أرى أنَّ الخطأ الّذي وقع فيه المؤرخون لهذا العلم من القدامى والمعاصرين هو سعيهم الحثيث وانشغالهم بالبحث عن ذلك الشَّخص الفريد الَّذي أنشأ هذا العلم العظيم، وأخرجه من العدم إلى الوجود، وهذا - في زعمي - جهد ضائع؛ لأنه ليس لتلك الشخصيَّة الوهمية وجودا أصلا! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.

فالعربيَّة بعامة والنَّحو بخاصة ثمرة لحشد من التَّراكمات والأنظار والإشارات والملحوظات اللُّغوَّية الَّتي أثارها عدد من النَّابهين من أصحاب الذّائقة اللُّغويَّة الرَّفيعة من الصَّحابة والتَّابعين وغيرهم، الذين اشتركوا بدرجات متفاوتة في العناية باللغة، وأسهموا في إرساء الأسس النَّحويَّة الأولى، وتطوير العديد من المفاهيم اللُّغويَّة، ونقلها إلى مرحلة علمية جديدة.

وبرز من هؤلاء جماعة كان لهم النَّصيب الأوفر في نشأة علم النَّحو قياساً بمعاصريهم، وعلى تفاوت بينهم، وهم: عليّ بن أبي طالب وأبو الأسود الدُّؤلي في النصف الأول من القرن الأول، ونصر ابن عاصم وعبد الرَّحمن بن هرمز في النَّصف الثاني من القرن الأول.

ولبروز هؤلاء في هذا العلم وتفوقهم على غيرهم من معاصريهم نسب ابتداع علم النّحو في العربيَّة إليهم، واثنان من هؤلاء الأربعة كانوا في المدينة وهما: علي رضي الله عنه وعبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج.