ويلحق بهؤلاء الأربعة عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - الّذي برع في اللُّغة وتفسير الغريب، وأسهم في ظهور علم الدِّلالة والمعجم، وقيل: إنّه أمر بوضع النحو كما سيأتي.
ولا بأس في أن أذكر فيما يلي شيئاً ممَّا أثر عن هؤلاء من غير بسط ولا استقصاء لشهرته وكثرة ما كتب فيه؛ولأن بعضه يحقق ما ذهبتُ إليه، وهو أنَّ نشأة الدَّرس اللُّغوي، بعامة والنَّحوي بخاصّة كانت في المدينة.
أولا: عليّ بن أبي طالب (ت ٤٠هـ)
تذكر كثير من الرِّوايات القديمة أنَّ أوَّل من وضع علم العربيَّة وأسَّس قواعده، وحدَّ حدوده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأخذ عنه أبو الأسود الدُّؤلي، وأخذ عن أبي الأسود نصر بن عاصم وعبد الرَّحمن بن هرمز، فقد ذكر أبو بكر الأنباريّ أنَّ أبا الأسود أخذ النَّحو عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - ".
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى وغيره: "أخذ أبو الأسود الدُّؤلي النَّحو عن علي بن أبي طالب ".
وروى أبو الطَّيب اللُغوي بسنده أنَّ "أول من رسم النَّحو أبو الأسود الدؤلي ... وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ - عليه السَّلام - لأنَّه سمع لحناً، فقال لأبي الأسود: اجعل للنَّاس حروفاً - وأشار إلى الرَّفع والنصب والجرّ - فكان أبو الأسود ضنيناً بما أخذه من ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام".
وروى أبو بكر الزُّبيدي عن المبرّد قوله: "سُئل أبو الأسود عمَّن فتح له الطريق إلى الوضع في النَّحو، وأرشده إليه، فقال: تلقيته من علي بن أبي طالب".
وقال في رواية أخرى عن المبرد: "ألقى إليّ عليّ أصولا احتذيت عليها".
وذكر أبو حيان التوحيدي أنَّ "علىّ بن أبي طالب - رضوان الله عليه - سمع قارئاً يقرأ على غير وجه الصواب فساءه ذلك، فتقدَّم إلى أبي الأسود الدّؤلي حتّى وضع للنَّاس أصلا ومثالا وباباً وقياساً، بعد أن فتق له حاشيته، ومهّد له مهاده، وضرب له قواعده".