وقد وقفت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء من تراثهم اللغوي الضائع، ولسان حالي يقول: ما لا يدرك كله لا يترك جله.
فمن أعلام اللُّغة والنحو في مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم - في القرنين الأول والثاني، أو ممن كان لهم أثر محمود في وضع بذرة النحو بتوجيهاتهم وملحوظاتهم:
١- عمر بن الخطّاب (٢٣ هـ)
لم يكن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من اللغويين أو النحاة بمفهوم المصطلح العلمي، وإنما هو ممن لهم أثر محمود في وضع بذرة النحو وعلوم اللُّغة في المدينة فاستحق بذلك أن نفتتح به؛ فقد كان حريصاً على نقاء اللغة، يأمر ألا يقرأ القرآن إلا عالم بها.
وقد أثر عنه فيما يتصل بالعربية والنحو الشيء الكثير، وتدل بعض الروايات على إلمامه بأساليب اللّغة ودقائقها التعبيرية، وحرصه على سلامتها وحثه على تعلّمها، فقد روي عنه قوله:"تعلموا العربية: فإنها تَثبت العقل، وتزيد في المروءة".
وقال:"تفقهوا في العربية".
وقال في كتاب له موجه لبعض الولاة:"أما بعد؛ فإني آمركم بما أمركم به القرآن، وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد، وآمركم باتباع الفقه والسنة والتفهّم في العربية".
وروى عنه قوله:"تعلموا إعراب القرآن كما تعلّمون حفظه".
وقوله:"تعلموا النحو كما تعلّمون السنن والفرائض".
وروي عنه - أيضاً - أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري:"أن مُرْ من قِبَلَكَ بتعلم العربية، فإنها تدل على صواب الكلام ".
والعربية في هذا النص هي عربية المصطلح العلمي القديم التي تقابل في مدلولها كلمة النحو، لأنها تدلّ - كما يفهم من قول عمر - على صواب الكلاَم، أي يهتدي بها إلى صواب الكلام.
وقد وردت بعض المصادر - كما تقدم - أن عمر هو الذي أمر أبا الأسود بأن يضع النحو إذ قال:"وليُعَلِّم أبو الأسود أهل البصرة الإعراب".