وعرف المشارقة باقي تراث الهجريّ اللغويّ مما يتصل بغريب الحديث عن طريق كتاب "الدلائل في شرح غريب الحديث"لثابت بن حزم السرقسطيّ (٣١٣ هـ) .
وعرفوا تراثه في المواضع والبلدان عن طريق "معجم ما استعجم"لأبي عبيد البكريّ (٤٨٧ هـ) .
نعم؛ وإن كنا نعرف جماعة كبيرة من الأعراب ممن أُخذتْ عنهم اللًّغة في البصرة والكوفة، فإننا نجهل نظراءهم من الأعراب المجاورين للمدينة ممن أسهموا في رواية اللغة، وأخذ عنهم بعض النوادر واللهجات في القرنين الأول والثاني.
ولولا أبو عليّ الهجريّ لجهلنا أمثال هؤلاء في القرنين الثالث والرابع ممن روى عنهم الهجري اللُّغة وبعض النوادر واللغات في كتابه القيم "التعليقات والنوادر".
فمن منا يعرف أبا الغَطَمَّش المَعْرضيّ من بني عُقيل، ومُكْرَمة بنت الكُحيل الفراسية من قُشَير، وابن علكم المأربيّ، وأبا بُرَيهٍ العُذَمِيّ الأسديّ، والجبهيّ، وأبا عَنْدَل الأوسيّ، وجَميل بن دغيم المِنقَريّ، وحِرْمزة التميميّ، وأبا البَسَّام الثُماليّ، والرُّدَينيّ الحارثيّ، والمُسلَّم بن أحمد بن يزيد الحربيّ، وأبا المعضاد الحرشي؟ .
ويضاف إلى كل ما تقدم ذكره أن التاريخ لنشأة علوم العربية وبخاصة النحو لم يتم إلا بعد أن نضج هذا العلم، وتكوّنت أطره العامة، واستوت مصطلحاته الفنية على سوقها، تلك المصطلحات التي لم يكن النحاة في القرن الأول ومنتصف الثاني على شيء من الدراية بمدلولات أكثرها، فانشغل علماء الطبقات بمرحلة النضج والكمال قي القرنين الثالث والرابع، وما خلفه علماؤها من نتاج علمي.
وهكذا نستطيع القول: إن اللُّغة والنحو وأربابها في المدينة مما طوي عنا أمره أو أكثره فلا نعرف اليوم من أعلام هذا الفن أو عنهم إلا القليل، مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغويّ مفقود.