وفي هذا الشأن يقول الشيخ حمد الجاسر:"أليس من الغريب حقا أن يقال: إننا لولا الأندلس لجهلنا كثيرا من أحوال البلاد التي نعيش فيها، وخاصة ما يتعلق بجزيرة العرب، هذه الجزيرة التي [كانت] صلتها بعواصم الخلافة الإسلامية في دمشق والقاهرة وبغداد أقوى وأوثق، وهي إليها أقرب، وبشؤونها لم تكن يوماً مرتبطة إلا بهذه العواصم، ولم يكن للأندلس ولا للدولة الإسلامية فيه ... أية نفوذ على هذه الجزيرة، ولكن العلم وحده والرابطة الروحية الإسلامية هي أقوى من كل الصلات وأوثق من جميع الروابط.
لقد كان علماء الأندلس يغدون إلى مكة المكرمة لا للحج وحده ولكن لينشروا علماً وليستزيدوا منه، وليكونوا صلة بين شرق البلاد وغربها بالعلم والثقافة".
ويضيف الشيخ الجاسر قائلا:"ونشير إلى ما هو أغرب من هذا، وهو أن علامة العرب الهمداني صاحب (الإكليل) و (صفة جزيرة العرب) وغيرهما من المؤلفات القيمة، والذي كان يعيش في أقصى جنوب جزيرة العرب دخلت كتبه الأندلس واستفاد منها علماؤه قبل أن يعرف علماء الشرق عنها شيئاً، بل إن هذا العالم وصلت إلينا كثير من أخباره عن طريق علماء الأندلس مثل صاعد الأندلسي في كتابه (طبقات الأمم) وغيره، ولم يعرف علماء المشارقة عن كتب الهمدانيّ إلا اليسير بعد الأندلسيين بمئات السنين.
أما الهَجَريّ فإن أمره بقي مجهولا بين علماء الشرق إلى هذا العهد إلا ما عرفوه بواسطة الأندلسيين، وهو قليل بل أقل من القليل، بينما انتشرت كتبه في الأندلس واستفاد منها علماؤنا في وقت مبكر جداً يرقى إلى عصر الهجريّ نفسه.
ولما رأى المشارقة الاستفادة من تلك الكتب لم يجدوا أمامهم سوى ما في مؤلفات علماء الأندلس منها.
ويمكن القول إن الكلمات اللغوية المعزوة لأبي عليّ الهجريّ في معجم "لسان العرب"لابن منظور وصلت إليه عن طريق "المحكم"لابن سيدة الأندلسيّ (٤٥٨ هـ) .