وقد يطلق على نحاة المدينة ومكة معاً في بعض المصادر مسمّى: نحويوا الحجاز، لاشتراكهم في بعض الآراء أو المصطلحات النحوية، ومن الثابت أن لهم نظرات خاصة تفردوا بها بعد طول تأمل، ومن ذلك ما أورده الفراء بعد أن عرض مسألة نحوية:"وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية ".
وتبرز - هنا - عدة أسئلة، وهي:
لماذا أهمل أمر النحاة واللغويين في المدينة؟
هل كانت بضاعتهم مزجاة، لا تستحق الذكر؟
أو كان نحوهم يختلف عما بين أيدينا من النحو، فسقط؟
أو أن هناك أسباباَّ أخرى نجهلها؟
يبدو أن السبب المباشر للإهمال أو التجاهل - إن صح التعبير - يكمن في انشغال المسلمين في صدر الإسلام بأخبار الحرب وأنباء الفتوح، التي كانت تتوالى على المدينة صباح مساء، ثمّ أدّى انتقال مركز الخلافة إلى دمشق أيام الأمويين، ثم إلى بغداد أيام العباسيين إلى صرف الأنظار عن المدينة وتركزها على مراكز الخلافة الجديدة، فأهمل المؤرخون وأصحاب الطبقات كثيراً من نواحي الحياة في المدينة، ومنها أخبار العلم والعلماء.
ولم تزل المدينة تبتعد شيئاً فشيئاً عن دوائر الضوء وتنزوي بين جبال الحجاز ورمال الصحراء في جزيرة العرب، حتى خرجت ومعها جزيرة العرب بكاملها من اهتمامات المؤرخين والكتّاب وأصحاب الطبقات، فليس ثمة ما يغري المؤرخين أو يجبرهم على الخوض في شؤون تلك البقاع سوى ما يتصل بالحج، وأخبار بعض الخوارج والقرامطة.
وأصبحت أخبار تلك البلاد في القرنين الثالث والرابع مما يعزّ وجوده في كتب التُّراث العربيّ، يدلّ على ذلك أننا لا نكاد نعلم شيئا عن بعض العلماء المشهورين؛ كأبي عليّ الهجَريّ، وهو من علماء الأدب واللغة والتاريخ في المدينة في القرنين الثالث والرابع، فلم تصلنا أخباره إلا عن طريق علماء الأندلس الذين نقلوا كثيراً من أخباره في أثناء رحلاتهم للحج.