وقد ذكرت بعض الروايات أن عليا أرشد أبا الأسود بعد طول تأمل في كلام العرب إلى أصول النحو وحدوده، وأمره بأن يحذو حذوها، ومن ذلك أنه دفع إليه بصحيفة جاء فيها:"الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى والفعل ما أنبئ به، والحرف ما أفاد معنى".
ثم قال لأبي الأسود:"انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر"
ومن تلك الروايات إشارة الإمام علي إلى الرفع والنصب والجر.
وأن أبا الأسود كان كلما وضع بابا من أبواب النحو عرضه عليه إلى أن حصل ما فيه الكفاية، فقال له علي: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت، فلذلك سمّي النحو.
وعلى الرغم من أن الشك يحوم حول هذه الروايات إلا أن دلالتها مع غيرها قوية، فهي تدل على أن لعلي مشاركة طيبة في نشأة النحو، ونصيباً نقدره بميزان الظن والتخمين؛ لأن ما وصل إلينا من أخبار نشأة العربية ومنها النحو لا يكفي الرسم الصورة الحقيقية لذلك العلم.
٣- ابن عباس (٦٨ هـ)
قضى ابن عباس جزءاً مهما من حياته في المدينة قبل أن يستقر في آخر أيامه في الطائف، وهو من علماء اللُّغة المرموقين، يعد عند بعض المحققين القدامى أعلم بلغة العرب من كثير من علمائهم.
وقد أشارت بعض المصادر إلى صلته بأبي الأسود، وأنه كان يحثه على وضع علم النحو.
ولا غرابة في ذلك فقد أحيط ابن عباس منذ حداثته بجو علمي غني مؤثر، إذ لازم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه الأحاديث الصحيحة، وقرأ القرآن على زيد ابن ثابت، وأبيّ بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وأكبّ على لغة العرب شعرا ونثراً حتى غدا بحرا في العلوم.