ومن الثابت أنّ لابن عباس اليد الطولى في تأسيس علم الدلالة والمعجم العربي، وكان - رضي الله عنه - حجة في اللغة، يؤمه طلبة العلم في المدينة ثم في مكة والطائف بعد انتقاله إليهما في أواخر حياته، وتعد جهوده في شرح الغريب من القرآن أو الحديث أساساً قوياً لبعض علوم العربية.
وقد شقّ ابن عباس الطريق أمام اللغويين في مقام الاستفادة من الشعر في بناء مناهج العربية بصورة عامة وفي مجال الشرح المعجمي بصورة خاصة - كما يقول الدكتور عبد الكريم بكّار.
على أن جهود ابن عباس الُّلغوية توفرت على التفسير "ويغلب على الظنّ أنّ علم العربية بفروعه المختلفة كان يعرض في مجال تفسير غريب القرآن، كما يغلب على الظن أن ما ألفه أبو عمرو ويونس والكسائي وأمثالهم من كتب في معاني القرآن إنما هو تطوير لمجالس ابن عباس وحلقاته، مع الاستفادة مما استنبط من قوانين اللغة، وما فسر به الحالات الإِعرابية في قراءته".
وبهذا يمكن أن يقال: إن علوم الدلالة والشعر واكبت النحو في نشأتها في المدينة.
وسنعرض - في الفصل الرابع - لشيء من تراث ابن عباس في العربية.
٤- مسلم بن جندب الهذليّ (١٠٦ هـ)
وهو قارئ مُجيد وقاص مشهور من أهل المدينة.
قال الجزيريّ:"وكان من فصحاء أهل زمانه، وقال عمر بن عبد العزيز: من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأه على قراءة مسلم بن جندب".
ولمسلم عناية باللغة والنحو جعلت بعض علماء الطبقات يصفه بأنه نحويّ، ومن هؤلاء القفطيّ الذي ذكر أن مسلم بن جندب يعدّ من النحويين.
وكان علماء المدينة يرجعون إليه في مشكلات اللُّغة وتفسير الغريب، ولاسيما القرآن، قال الجزيريّ:"وقال ابن وهب: حدثني نافع، قال: سألت مسلم بن جندب عن قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}(١) قال: إلى غاية، فسألته عن {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي}(٢) فقال: الردء: "الزيادة".