وبالعودة إلى عبارتي الفراء التي قال فيها:"ونحويوا أهل المدينة ينشدون ... "، و"وهذا مما كان يقوله نحويوا أهل الحجاز"يتبين - كما أسلفنا - قدم هؤلاء النحاة، وإجماعهم على هذا الشاهد، وشهرته عندهم، ويمكن أن يستنبط من عبارة الفراء "وهذا مما كان يقوله.." التي قالها في أواخر القرن الثاني - كما نعلم - أن هؤلاء النحاة كانوا يقولون ذلك منذ زمن مضى نقدره بنحو خمسين سنة أو يزيد، وهو ما يوافق زمن الفصاحة الذي حدد بمنتصف القرن الثاني في الحواضر ونهاية القرن الرابع في البوادي، فهل يجوز للبغدادي أن يطعن في حُجِّيّة البيت؟.
ويقوي مذهب المدنيين قراءة ابن عامر في آية المائدة المتقدمة، وهي قراءة سبعية متواترة، لا يجوز الطعن فيها، وقد قرأ بعض السلف {مُخْلِفَ وَعْدَه رُسُلِه}(١) ، بالإِضافة إلى جملة من الشواهد الشعرية.
ولورود ذلك في القرآن اقترح الدكتور مكي الأنصاريّ أن تعدل القاعدة التي ذكرها البصريون، فقال: يجوز الفصل بين المتضايفين في النثر بالمفعول به.
وهذا دليل على سلامة ما ذهب إليه نحاة المدينة في هذه المسألة.
٣- ضمير الفصل:
قد يقع الضمير المنفصل المرفوع بين المبتدأ والخبر أو ما في حكمهما من النواسخ إذا كانا معرفتين أو مقاربين للمعرفة، وذلك في نحو {إنْ كَانَ هَذا هُوَ الحَقَّ}(٢) و {كُنّا نَحْنُ الوَارِثِين}(٣) .
ويسمى هذا الضمير عند البصريين ضمير الفصل، ويسميه الكوفيون عمادا.
وللمدنيين مذهب فيه وفي تسميته، قال أبو حيان: "والفصل هو صيغة ضمير منفصل، ويسميه الفراء وأكثر الكوفيين عماداً، وبعض الكوفيين يسميه دعامة، ويسميه المدنيون صفة.