أحدهما: نصبه بإضمار فعل يفسره (ألقاها) كأنه قال: حتى ألقى نعله ألقاها، كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف.
ثانيها: أن يكون نصبه بالعطف على الصحيفة، وحتى بمعنى الواو، كأنه قال: ألقى الصحيفة حتى نعله، يريد: ونعله، كما تقول: أكلت السمكة حتى رأسَها، بنصب رأسها، فعلى هذا الهاءُ عائدة على النعل أو الصحيفة، وألقاها تكرير وتوكيد" وقد جاز عطف نعله مع أنه ليس واحداً مما ذكر؛ لأن الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله؛ فالنعل بعض ما يُثقل.
وأما الرفع "فعلى الابتداء، وجملة ألقاها هي الخبر؛ فحتى - على هذا وعلى الوجه الأول من وجهي النصب - حرف ابتداء، والجملة بعدها مستأنفه".
هذا ما وقفت عليه مما عزي للمدنيين من آراء في النحو وهو من القلة بحيث لا يمكّن الباحث من استخلاص خصائص معينة، وإن كنت أرى - من خلال ما سمحت به المصادر - أن نحوهم يأخذ طابع النحو الكوفيّ الذي يعتدّ بالسماع ولا يحفل كثيراً بالقياس.
النّحو في قراءاتهم وتعليقاتهم التفسيرية
أسهمت قراءات المدنيين وتعليقاتهم التفسيرية في خصوبة النحو العربيّ على مدى القرون، ويمكن لنا أن نستعرض بعض الملاحظات والآراء أو الأصول النحوية المستنبطة من قراءات بعضهم أو تعليقاتهم، كابن عباس وابن هرمز، من غير استقراء، فإن ما أثر عنهما في هذا الشأن شيء غير قليل، يحتاج إلى مؤلف خاص يلم شتاته، ويكفي في هذا البحوث ذكر بعض الأمثلة مما يمثل بدايات النحو عند المدنيين.
أولا: ابن عباس
أثر عن ابن عباس كثير من الملاحظات اللغوية التي كان يفسر بها القرآن، تدل على حسه اللغويّ العام السليم، وإلمامه بالنحو.
١- قدر ابن عباس التقديم والتأخير في قوله عزّ وجلّ:{أم لَهُمءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِن دونِنا لا يَسْتطيعُونَ نَصْرَ أنفسهم ولاهُم مِنّا يُصْحَبون}(١) .
قال أبو حيان: "قال ابن عباس: في الكلام تقديم وتأخير تقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ".