واعترض السيرافيّ على سيبويه في بعض ما جاء في هذه المسألة، ووجه مذهب المدنيين، فقال:"لم يجز الفصل إذا كان الاسم قبله نكرة، لأن الفصل يجري مجرى صفة المضمر، وهو، وأخواتها معارف، فلا يجوز أن يكون فصلا للنكرة، كما لا يجوز أن تكون المعارف صفات للنكرة، فإن هذا الكلام إذا حمل على ظاهره فهو غلط وسهو؛ لأن أهل المدينة لم يحك عنهم إنزال هو في النكرة منزلتها في المعرفة، والذي يحكى عنهم: هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم، لأنه من باب هو خيراً منكم، والذي أنكره سيبويه أن يجعل ما أظن أحدا هو خيراً منك بمنزلة ما أظن زيداً هو خيراً منك، فليس هذا مما حُكِيَ عن أهلِ المدينة في شيء، وقد شهد بما ذكرته ما ذكره يونس أن أبا عمرو رآه لحنا".
وفي كتاب سيبويه إشارات أخرى متفرقة إلى نحويين يفهم من سياق كلامه أنهم قدماء، فهل هم أو بعضهم من نحاة المدينة؟.
٤- إعراب حتّى وما بعدها:
ثمة شاهد نحويّ مشهور يتناقله النحاة منذ عهد سيبويه، ويروونه عن بعض نحاة المدينة، وهو مروان بن سعيد المهلبيّ، وهو قوله:
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ
والزَّاد َحَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا
وفيه روايات، وهي "حتى نعلِه"و"حتى نعلَه"و"حتى نعلُه" ولا ندري كيف أنشده مروان بن سعيد المهلبيّ، ولا نعرف رأيه في توجيهه، كما لا نعرف رأي معاصريه من نحاة المدينة في توجيه هذا البيت، الذي نقدّر أنه استأثر بعنايتهم، فهو من شواهدهم، كما استأثر بعناية النحاة في البصرة والكوفة وغيرها من الأمصار.
والشاهد فيه "حتى نعله"إذ يجوز في حتى وما بعدها ثلاثة أوجه، وقد أنشده سيبويه على أن حتى فيه حرف جر بمعنى إلى، وأن مجرورها غاية لما قبلها، كأنه قال ألقى الصحيفة والزاد وما معه من المتاع حتى انتهى الإِلقاء إلى النعل، ويكون "ألقاها"توكيد، وهي بمنزلة قوله عز وجل {سَلامٌ هِي حَتى مَطْلَع الفَجْر}(١) .