قال أبو القاسم الزجاجي. "قال أبو يعلى زكريا بن يحي بن خلاد: حدثني أبو عثمان قال: سأل مروان الأخفش عن قول الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ كاَنَتَا اثنَْتَيْن}(١) أليس خبر كان يفيد معنى ليس في اسمها؟ قال نعم. قال: فأخبرني عن {كاَنَتَا اثنَْتَيْن} أليس قد أفاد بقوله (كانتا) معنى ما أراد فلم يحتج إلى الخبر؟ فقال: إنما أراد: فإن كان من ترك اثنتين، ثم أضمر (من) على معناها. قال: فبإضماره (من) على معناها أفاد معنى ما أراد".
وأراد مروان بن سعيد المهلبي بسؤاله أن الألف في (كانتا) تفيد التثنية فلأي معنى فسر ضمير المثنى بالاثنتين ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يقال: فإن كانتا ثلاثا، ولا أن يقال فإن كانتا خمساً، فأراد الأخفش أن الخبر أفاد العدد المجرد من الصفة، أي: قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين أو صالحتين فلهما كذا، وإن كانتا كبيرتين فلهما كذا، فلما قال: فإن كانتا اثنتين على أية صفة كانتا عليها من كبر أو صغر أو صلاح أو طلاح أو غنى أو فْقر، فقد تحصل من الخبر فائدة لم تحصل من ضمير المثنى.
وبهذا ظهر ذكاء السائل وبراعة المسؤول.
٢- أزيد عندك أم عمرو؟
قال الزجاجي:"سأل مروان [بن سعيد المهلبي] مرة الأخفش، فقال: إذا قلت: أزيد عندك أم عمرو، أفليس قد علمت أن ثمَّ كونا ثابتا، ولكن لا تدري من أيهما هو؟ قال: بلى. قال: فإذا قلت: قد علمت أزيد عندك أم عمرو، أفليس قد علمت ما جهلت؟ قال: بلى. قال: فلم جئت بالاستفهام؟ قال: جئت به لألبس على المخبر مَن علمت. فقال له مروان: إذا قلت علمتُ من أنت، أردت أن تلبس عليه لأنه لا يعلم نفسه؟ قال: فسكت.
قال أبو عثمان: عندي أنه إذا قلت قد علمت من أنت فهو لا يريد أن يُلبس عليه؛ لأنه لا يعرف نفسه، ولكنه أراد قد علمت من أنت أخير أمرك أم شر، كما تقول: قد علمت أمرك، وكقولك: ما أعرفني بك، أي قد علمت ما تذكر به، أو ما تثلب به".