قال الزجاجي:"أخبر أبو جعفر أحمد بن محمد الطبري، قال: سأل مروان سعيد بن مسعدة الأخفش: أزيداً ضربته أم عمرا؟ فقال: أي شيء تختاره فيه؟ فقال: أختار النصب لمجيء ألف الاستفهام. فقال: ألست إنما تختار في الاسم النصب إذا كان المستفهم عنه الفعل كقولك: أزيداً ضربته، أعبد الله مررت به؟ فقال: بلى. فقال له: فأنت إذا قلت: أزيدا ضربته أم عمراً، فالفعل قد استقرّ عندك أنه قد كان، وإنما تستفهم عن غيره، وهو من وقع به الفعل، فالاختيار الرفع؛ لأن المسؤول عنه اسم وليس بفعل. فقال له الأخفش: هذا هو القياس.
قال أبو عثمان: وهو أيضا ًالقياس عندي، ولكنّ النحويين اجتمعوا على اختيار النصب في هذا لما كان معه حرف الاستفهام الذي هو في الأصل للفعل".
نعم؛ ويمكن أن نخرج من هذه المناظرات الثلاث بما يلي:
أولا: دقة المهلبي فيما أثاره من قضايا نحوية، وظهوره ندًّا قوياً لعَلَمٍ مشهور من أعلام النحو العربي، وهو الأخفش.
ثانياً: اقتصار المهلبي في مناظراته على الأخفش.
ثالثاً: جهلنا بمكان تلك المناظرات، فقد تكون وقعت في العراق، وقد تكون في المدينة، وشهرة المجالس اللغوية في العراق ترجح أن تكون هذه المناظرات الثلاث مما كان يدور هناك في حواضر العراق، وصلة الأخفش ببعض علماء المدينة كعلي الجمل على النحو الذي وضحناه فيما سبق تجعلنا نميل إلى أنها كانت في المدينة، والذي يرجح هذا الاحتمال أنها لو كانت في العراق لما اقتصر مروان بن سعيد المهلبي على مناظرة الأخفش دون غيره من علماء العراق، وهم كثر.
ومن هنا يمكن القول: إن صلة الأخفش بالمدنيين قد تكون مما يفسر به خروج الأخفش عن منهج جماعته البصريين في كثير من مسائل النحو.
من مسائل اللغة
أشرنا فيما مضى إلى أن علوم العربية نشأت مختلطة في القرنين الأول والثاني بين فروعها قبل أن يعرف المتأخرون من علومها النحو والصرف والدلالة والمعجم وفقه اللغة.