إن علم اللغة في جوانب الدلالة والمعجم نشأ مبكراً في المدينة في ظلال علوم القرآن كالتفسير على يد ابن عباس الذي يعد صنيعه بحق نواة المعجم العربي وطليعته، فقد برع في شرح غريب القرآن الكريم في مفرداته وتراكيبه، كما ظهر ذلك فيما روي عنه في كتب التفسير وفيما جاء في سؤالات نافع بن الأزرق، وكذلك في صحيفة علي بن أبي طلحة، وبرع - أيضاً - في تمييز ما وقع في القرآن من لغات القبائل ولغات الأمم المجاورة، وهو ما يسمى بالمعرب.
وقد ورد عن ابن عباس في مجالات شرح المفردات، وتمييز لغات القبائل، والإحاطة بالمعرب الشيء الكثير.
أولاً: شرح المفردات:
يتناول ابن عباس - في الغالب - كلمة غريبة من آية فيشرحها بما لا يزيد على كلمة أو كلمتين، ولو جمع ما أثر عن ابن عباس في هذا الشأن لكوّن معجماً صالحاً؛ وفيما يلي نماذج من الشرح اللغوي للمفردات عنده:
١- الرَّغَد:
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل:{وَكُلا منْهَا رَغَدَاً}(١) الرغد: الهنيء.
٢- الإِصر:
قال في تفسير قوله تعالى:{رَبَّنَا و َلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً}(٢) : إصراً: عهداً لا نفي به، ونقلها عنه أصحاب المعاجم.
٣- الدِّهاق:
قال ابن عباس في تفسير قوله عز وجل:{كأسا دِهَاقاً}(٣) دهاقاً: ملأى. وروى عنه الطبري أنه قال لغلامه: اسقني دهاقاً، فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدهاق.
ويبدو أن ابن عباس أراد أن يؤكد هذا المعنى للرّدّ على من كان يخالفه، إذ ذهب بعضهم إلى أن الدهاق في الآية ليس من الامتلاء، وإنما من التتابع، من الدّهق الذي هو متابعة الشدّ، والمعنى الأولى أعرف كما قال ابن منظور.
وأكثر اللغويين على ما ذهب إليه ابن عباس.
٤- الحُزْن والغَضَب:
سئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال: غرضهما واحد واللفظ مختلف فمن نازعَ من يقوى عليه أظهره غيظاً وغضباً، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حُزْناً وجزعا.