وهكذا يمكن القول: إن اللغة والنحو وأربابهما في المدينة مما طُويَ عنا أمره، فلا نعرف اليوم من أعلام العربية أو عنهم إلا القليل؛ مما يمكن أن يجمع في قبضة يد واحدة من تراث لغوي مفقود.
وقد وفقت - بعد طول بحث في المظان المختلفة - على جملة من أولئك الأعلام في المدينة، وتعرفت على شيء يسير من تراثهم اللغوي الضائع، ومن هؤلاء: علي بن أبي طالب، وابن عباس، ومسلم بن جندب الهزلي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعبد الله بن ذكوان المعروف بأبي الزناد، وعبد العزيز القارئ الملقب بـ"بشكُسْت" وزيد بن أسلم العدوي، وعلي الجمل، والأصبغ بن عبد العزيز الليثي، ونافع بن أبي نعيم، وعيسى بن يزيد بن دأب، ومالك بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، ومروان بن سعيد المهلبي، ومحمد بن مروان المدني، وعيسى بن مينا بن وردان.
ويبدو أنّ لنحاة المدينة ولغوييها مؤلفات مفقودة في اللغة والنحو وأنّ لهم آراءهم النحوية الخاصة، ومصطلحاتهم التي كانت تدور في بيئتهم، وأنّ لهم مجالسهم اللغوية الخاصّة.
وأمكن لهذا البحث أن يقف على بعض الشذرات النحوية المتفرقة، كتابع المنادى، والفصل بين المضاف والمضاف إليه، وضمير الفصل، وإعراب حتى وما بعدها، والنداء والترخيم، والتقديم والتأخير، والصفة.
أما علم اللغة في جوانب الدلالة والمعجم فيمكن القول إنه نشأ مبكراً في المدينة في ظلال علوم القرآن، كالتفسير على يد ابن عباس، الذي يعد صنيعه فيه نواة المعجم العربي وطليعته، فقد برع في شرح غريب القرآن، مع العناية الواضحة بلغات القبائل، ومحاولة الإِحاطة بما في القرآن من المعرب.
وكان للمدنيين نشاطهم اللغوي من خلال المجالس العلمية التي كانت تعقد لشتّى العلوم كالتفسير والحديث والفقه واللغة.