فإذا وضعت أسس التربية على أساس من التوازن والاعتدال كما أوضحتها النظرة الإسلامية لعتدل الأمر وما تحولت الوسائل إلى غايات، وما انحرفت بنا الطريق بين غلو وتقصير وإفراط وتفريط. والتربية الإِسلامية تهتم بالتركيز على التوازن بين إشباعات النفس ومطالبها وبين عفتها وقناعتها، وهذا وارد في قوله تعالى:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ... } الآية.
وسياسة الاعتدال في العملية التربوية إنما تتركز على علم النفس من الأهواء والشهوات، فإذا مالت إلى الاغترار عولجت بالتواضع حتى يتم الاعتدال أو يتم التوازن، وإذا مالت إلى الهوى كان عالجها الاستقامة، فأي من العيوب والآفات النفسية إنما هي تمرة فجة للتربية الخاطئة والنقص في الأدب والأخلاق، وكل شيء في هذا الوجود يسير على هدي من الاعتدال والتوازن والاتساق والتناسب والتناسق ماعدا الإنسان. فالإنسان وإن كان في الأصل في خلقه على الفطرة السليمة إلا أنه يبتعد عن هذه الفطرة إذا افتقد إلى التربية الإسلامية الصحيحة، وهنا يخلط بين اشباعاته ومطالبه فيطالب بحقوقه ويتغافل عن واجباته وبذلك ينحرف عن طريق القوامة والاستقامة التي جعلها الله تعالى أساساً لشريعة الإسلام ومنهاجه:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} الآية.
فالوسط الإسلامي هو التوازن في الفكر والسلوك والتطبيق.
من أجل ذلك طلب لقمان ابنه أن يتوسط في مشيته، والمراد من ذلك أن تكون مشيته ما بين الإسراع والبطء أي لا تدب دبيب المتماوتين ولاتثب وثب الشطار.
٤) {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} ، أغضض من صوتك أي أنقص منه، أي لا تتكلف رفع صوتك وخذ منه ما تحتاج إليه، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي، والمراد بذلك التواضع.