قال: وقد وجدت عن الشافعي أن المؤاخذة إنما تقع لمن همّ على الشيء فشرع فيه، لا من همَّ به ولم يتصل به العمل.
قال: استثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهمُّ بالمعصية، ما يقع في الحرم المكي، ولو لم يصمم، لقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج/٢٥] .
أخرج الثوري في تفسيره [١٠] عن السدي عن مرة عن ابن مسعود قال: "ما من رجل يَهمُّ بسيئة فتكتب عليه، إلاّ أن رجلاً لو همَّ بِعَدَنِ أَبْيَنَ [١١] أن يقتل رجلاً بالبيت الحرام إلاًّ أذاقه الله من عذاب أليم"[١٢] .
ويؤكد ذلك أن الحرم يجب إعتقاد تعظيمه، فمن همَّ بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته، وتعقب هذا المبحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم، ومع ذلك من همَّ بمعصيته لا يؤاخذه، فكيف يؤاخذ بما دونه؟!
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن إنتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم إنتهاك حرمة الله، لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله، فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره، وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى.
نعم، من همَّ بالمعصية قاصداً الاستخفاف بالحرم عصى، ومن همَّ بمعصية الله قاصداً الاستخفاف بالله كفر، وإنما المعفو عنه، من همَّ بمعصية ذاهلاً عن قصد الاستخفاف [١٣] .
٥ - العزم: أو العزيمة، في اللغة: عبارة عن الإرادة المؤكدة.
قال القرطبي عند تفسير قوله تعالى:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ}[القلم/١٧-١٨] ، في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان، لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم [١٤] .