قال ابن حجر:"والغرض منه الإشارة إلى أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ... } ، كان في هذه القصة [٦٧] . وقوله: "وألاّ يحج بعد العام مشرك"، هو منتزع من قوله تعالى:{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام ولو لم يقصدوا الحج، ولكن لمَّا كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه، فيكون ما وراءه أولى بالمنع. والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله [٦٨] .
قال الطبري: "يقول للمؤمنين: فلا تدعوهم أن يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرم، وإنما عني بذلك منعهم من دخول الحرم، لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام" [٦٩] .
ومادة (قرب) جاءت أحياناً في كلام الله تعالى للتحذير، والتنبيه، من الدنو - مجرد الدنو - من حدود الله، {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا}[البقرة/١٨٧] ، وليس المراد الوقوع فيها، بل التحذير مما يمكن أن يؤدي إلى انتهاكها.
وقوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...}[الأنعام/١٥١] . فإن التحذير، والتنبيه عن المقدمات، والأسباب التي مع الاسترسال فيها، وتسلسلها يدنو المؤمن من فعل الفاحشة إلى أن يقع فيها في النهاية.
وقوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء/٣٢] . فالنظر إلى الأجنبية والإسترسال في ذلك، ومحاولة الخلوة بها، ومحادثتها، من مقدمات الزنى في الغالب.
فإذا منع المؤمن نفسه من الإسترسال في النظر إلى الأجنبية ممتثلاً قوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...}[النور/٣٠] ، فإنه بذلك يقطع السبب الرئيسي المؤدي - في الغالب - إلى الوقوع في فعل الفاحشة.