وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:"فالعينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرِجْلانِ يزنيان وزناهما المشي، والفم يزني وزناه القُبل"[٧٠] .
وكذلك الأمر بالنسبة لحدود الله، فكلما تساهل المؤمن في أسبابها، ودواعيها، ولم يكن لديه من الورع والتقوى، ما يحذره الإقتراب، وقع لا محالة فيها.
كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:"الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مُشْتبهات لايعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحِمى يُوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل مَلِكٍ حمى، إلا إنّ حِمى اللهِ في أرضه محارمُه..."[٧١] .
فقوله جلّ وعلا محذراً المؤمنين التساهل مع المشركين في دخولهم إلى المسجد الحرام، اقتضى أن يمنعوهم عن مجرد الإقتراب إليه، بأن جعل لحرم مكة حدوداً لا يجوز لمشركٍ أن يتجاوزها حتى لا يصل بشكل أو بآخر إلى المسجد الحرام عينه. رُوي عن عطاء قوله: لم يَعْنِ المسجد وحده، إنما عني مكة والحرم [٧٢] .
فالمقصود إذاً هو المسجد الحرام - البيت الحرام - لذاته، كما يفعل الإنسان عند تشييده للأسوار، والقلاع، والحصون، حول مدينته أو قريته. وذلك لحمايتها، فلو تساهل مع العدو أن يجتازها ولو بقدر يسير، فقد السيطرة في النهاية على صده من اجتياح الدور، والأبنية، فالحكيم إذاً الذي يحتاط للأمر قبل وقوعه، لا إذا قُضي الأَمر ووقع، نَدِمَ، واسترجع.
ومكة، أرض الحرم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعضد شجرها، وينفَّر صيدها، وتلتقط لقطتها، ويختلي خلاها [٧٣] . ومعلوم أن هذه الأشياء لا يوجد معظمها في المسجد الحرام، بل في أطراف المدينة وضواحيها، في الأودية والشعاب، والجبال، والسهول، مما يدل على أن الحظر خاص بحرم مكة دون المسجد الحرام، ولكنه إن وجد في المسجد الحرام فمن باب أولى أن يكون الحظر أشد.