وروى البخاري من طريق محارب بن دِثار: سمعت ابنَ عمر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها ولا يتحاتُّ". فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، فأردتُ أن أقول هي النخلة - وأنا غلام شاب - فاستحييت، فقال:"هي النخلة"[١٨] .
ورواه البخاري تعليقاً من طريق حفص بن عاصم، عن ابن عمر مثله [١٩] .
فهذا مجموع ما في الصحيحين من طرق لهذا الحديث العظيم، وللحديث طرقٌ أخرى خارج الصحيحين في السنن والمسانيد والمعاجم، سيأتي الإشارة إلى شيء منها.
ثم إنَّ البخاري - رحمه الله - وقد روى الحديث في مواطن عديدة من صحيحه فقد روى الحديث في كتاب التفسير من صحيحه، في باب:{كشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} ، وهو بذلك يشير إلى أنَّ المراد بالشجرة المذكورة في الآية هي النخلة، فيكون الحديث بذلك مفسِّراً للآية.
وقد ورد هذا صريحاً فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال:"قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ... } فقال: أتدرون ما هي؟ قال ابن عمر: لم يَخْفَ عليَّ أنَّها النخلة، فمنعني أن أتكلّم مكان سِنِّي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة:" [٢٠] .
قال ابن حجر: "ويُجمع بين هذا وبين ما تقدّم أنَّه صلى الله عليه وسلم أُتي بالجُمّار فشرع في أكله تالياً للآية قائلاً: "إنَّ مِنَ الشجر شجرةً ... " إلى آخره، ووقع عند ابن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يخبرني عن شجرة مثلها مثل المؤمن، أصلها ثابت وفرعها في السماء؟ ... " فذكر الحديث، وهو يؤيّد رواية البزار" [٢١] .