ويؤيّد هذا أيضاً الروايات الكثيرة الواردة عن السلف الصحابة وغيرهم في تفسير الشجرة الطيّبة في الآية بأنَّها النخلة.
فقد روى الترمذي وغيره عن شعيب بن الحبحاب قال: كنّا عند أنس فأتينا بطبق عليه رطب، فقال أنس رضي الله عنه لأبي العالية:"كُلْ يا أبا العالية، فإنَّ هذا من الشجرة التي ذَكَر الله في كتابه:{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ثَابِتٌ أَصْلُهَا} قال: هكذا قرأها يومئذ أنس".
ورواه الترمذي من وجه آخر مرفوعاً، وقال:"هذا الموقوف أصح"[٢٢] .
وقد جاء هذا المعنى عن غير واحد من السلف، منهم: ابن عباس، ومجاهد، ومسروق، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، وابن زيد [٢٣] .
وقد أفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعنى المتقدّم، وهو تشبيه المؤمن بالنخلة في أوجز عبارة، وذلك فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير والبزار من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً:"مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها مِنْ شيء نفعك"[٢٤] .
والنخلة إنما حازت هذه الفضيلة العظيمة بأَنْ جُعلت مثلاً لعبد الله المؤمن؛ لأنَّها أفضلُ الشجر وأحسنُه، وأكثرُه عائدة.
وقد أفرد أبو حاتم السجستاني - رحمه الله - كتاباً خاصاً بالنخل، بيّن فيه فضله وخصائصه وأسماءه، وذكر أبحاثاً عديدةً مفيدةً متعلّقةً به، قال في أوله:
"النخلة سيّدة الشجر، مخلوقة من طين آدم صلوات الله عليه، وقد ضربها الله جلّ وعزّ مثلاً لقول "لا إله إلا الله"فقال تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} وهي قول: "لا إله إلا الله"، {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} وهي النخلة.
فكما أنَّ قول “ لا إله إلا الله"سيّد الكلام، كذلك النخلة سيّدة الشجر" [٢٥] .