ولا ريب أنَّ الوقوفَ على أوجه الشبَّه بينهما والحرص على معرفة ذلك والفقه فيه أمرٌ جديرٌ بالاهتمام والعناية؛ لعظم فائدته وكثرة منافعه، والله تعالى قد أرشد في كتابه إلى فهم هذا عندما مثّل المؤمن بها وذكر بعض أوجهِ الشبَّه بينهما حيث قال:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} .
هذه أربعة وجوه في الشبه بينهما، ومن يتأمّل في الممثَّل والممثَّل به يجد بينهما من أوجه الشبّه الشيء الكثير، ومن يطالع كلامَ أهل العلم في هذا الباب يقف من ذلك على لطائفَ جمّة وفوائد مهمّة. ولعَلِّي فيما يلي أستعرض جملةً من أوجه الشبه بينهما من خلال ما وقفت عليه من كلام أهل العلم في ذلك في كتب التفسير وشروحات الحديث وغيرها.
فمن هذه الأوجه [٢٨] :
أولاً: أنَّ النخلة لا بدّ لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، وكذلك شجرة الإيمان لا بدّ لها من أصل وفرع وثمر، فأصلها الإيمان بالأصول الستة المعروفة، وفرعُها الأعمال الصالحة، والطاعات المتنوّعة، والقربات العديدة، وثمراتُها كلُّ خير يحصِّلُه المؤمن، وكلُّ سعادة يجنيها في الدنيا والآخرة.
روى عبد الله في السنة عن ابن طاووس، عن أبيه قال:"مثل الإيمان كشجرة؛ فأصلها الشهادة، وساقها وورقها كذا، وثمرُها الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه"[٢٩] .
قال البغوي رحمه الله:"والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أنَّ الشجرةَ لا تكون شجرةً إلاَّ بثلاثة أشياء؛ عِرق راسخ، وأصلٌ قائم، وفرع عالٍ، وكذلك الإيمان لا يتمّ إلا بثلاثة أشياء؛ تصديقٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وعمل بالأبدان"[٣٠] .