للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن القيم رحمه الله: "الإخلاص والتوحيد شجرةٌ في القلب فروعُها الأعمال، وثمرها طِيبُ الحياة في الدنيا، والنعيمُ المقيمُ في الآخرة، وكما أنَّ ثمار الجَنّة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك، والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب ثمرها في الدنيا الخوفُ والهمُّ والغمُّ وضيق الصدر وظلمة القلب، وثمرها في الآخرة الزَّقومُ والعذاب المقيم، وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في سورة إبراهيم" [٣١] .

ثانياً: أنَّ النخلة لا تبقى حيّةً إلاّ بمادة تسقيها وتنميها، فهي لا تحيا ولا تنمو إلاّ إذا سُقيت بالماء، فإذا حبس عنها الماء ذبلت، وإذا قطع عنها تماماً ماتت، فلا حياة لها بدونه، وهكذا الشأنُ في المؤمن لا يحيا الحياة الحقيقية ولا تستقيم له حياته إلاّ بسقي من نوع خاص، وهو سقيُ قلبه بالوحي، كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا سمَّى الله الوحيَ روحاً في نحو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعِلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا} [٣٢] ، وقوله: {يُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ بالرُوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} [٣٣] ؛ لأنَّ حياة القلوب الحقيقية إنَّما تكون به، وبدونه فإنَّ الإنسان يكون ميتا ولو كان بين الناس من الأحياء {أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَثَلُهُ فِي الظُلُمُاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [٣٤] ، ولذا يقول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وِلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [٣٥] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.