فهذا وجه شبهٍ ظاهرٍ بين المؤمن والنخلة، فالنخلة لا تحيا إلاَّ إذا سُقيت بالماء، والمؤمن لا يحيى قلبُه إلاَّ إذا سُقي بالوحي، وكما أنَّ الأرض الميتة إذا أنزل الله عليها الماء اهتَزَّت ورَبَتْ وأنبتت من كلِّ زوجٍ بهيجٍ، فكذلك القلب الميّت إذا سمع الوحي وقَبِلَه صَلُحَ وحسُنَ ونما فيه من الخير الشيءُ الكثير.
ولذا لمّا حذّر الله في سورة الحديد من عدم الخشوع لذكر الله كحال الذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، قال عقِب ذلك سبحانه:{اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[٣٦] وفي هذا إشارة إلى أنَّ الذي يُحيي الأرض بعد موتها بالماء فهو كذلك يُحيى القلوبَ بعد موتها بالوحي، ولكن ذلك إنّما يكون لمن عقل آيات الله.
وبهذا يتبيّن أنَّ "شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبُها بسقيها كلَّ وقت بالعلم النافع والعمل الصالح، والعود بالتذكّر على التفكّر والتفكّر على التذكّر، وإلاّ أوشك أن تيبس، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان يخْلَقُ في القلب كما يخلَقُ الثوبُ فجدّدوا إيمانكم" [٣٧] . وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك، ومن هنا تعلم شدّة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات، وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وظّفها عليها وجعلها مادة لسقي غِراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم"[٣٨] .
ثالثاً: أنّ النخلةَ شديدةُ الثبوت، كما قال الله تعالى في الآية المتقدمة:{أَصْلُهَا ثَابِتٌ} ، وهكذا الشأنُ في الإيمان إذا رسخ في القلب فإنه يصير في أشدّ ما يكون من الثبات لا يزعزعه شيء، بل يكون ثابتاً كثبوت الجبال الرواسي.