ثامن عشر: ومن طريف ما يُذكر هنا حول تطابق الصفات بين النخلة في كلِّ أجزائها مع صفات المؤمن ما ذكره ابن القيم رحمه الله حيث قال: "وقد طابق بعض الناس هذه المنافع وصفات المسلم وجعل لكلِّ منفعة منها صفة في المسلم تقابلها، فلما جاء إلى الشوك الذي في النخلة جعل بإِزائه من المسلم صفةَ الحدَّة على أعداء الله وأهل الفجور، فيكون عليهم في الشدّة والغلظة بمنزلة الشوك، وللمؤمنين والمتقين بمنزلة الرطب حلاوة وليناً {أَشِدَّآءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[٦٨] "[٦٩] .
ولذا يوصف بعض أهل العلم الذين لهم بلاءٌ في الردّ على المبطلين، وبعضُ المجاهدين الذين لهم بلاءٌ في مقاتلة أعداء المسلمين بأنَّهم شوكة في حلوق الأعداء.
فهذه بعض أوجه الشبه بين المؤمن وبين النخلة، وقد ذكر بعضُ الشرّاح أوجهاً في الشبه أخرى لكنها ضعيفة وبعضها باطل، وقد لخّص ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري فقال:"وأمّا من زعم أنَّ موقعَ التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قُطع رأسها ماتت، أو لأنَّها لا تحمل حتى تلقح، أو لأنَّها تموت إذا غرقت، أو لأنَّ لطلعها رائحة مَنيِّ الآدمي، أو لأنَّها تعشق، أو لأنَّها تشرب من أعلاها فكلّها أوجه ضعيفة؛ لأنَّ جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين لا يختصّ بالمسلم، وأضعف من ذلك قول من زعم أنَّ ذلك لكونها خُلقت من فضلة طين آدم، فإنَّ الحديث في ذلك لم يثبت، والله أعلم"[٧٠] .
بما تقدّم يُعلم أنَّ الإيمان شجرةٌ مباركة عظيمةُ النفع غزيرةُ الفائدة كثيرةُ الثمر، لها مكان خاص تُغرس فيه، ولها سقيٌ خاص، ولها أصل وفرع وثمار.
أمَّا مكانها فهو قلب المؤمن، فيه توضع بذورها وأصولها، ومنه تتفرّع أغصانها وفروعها.
وأمّا سقيها فهو الوحي المبين، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فبه تُسقى هذه الشجرة، ولا حياة لها ولا نماء إلا به.