ولذا ورد عن عكرمة في قوله تعالى:{كَشَجَرَة طَيِّبَةٍ} قال: "هي النخلة لا تزال فيها منفعة"[٦٥] ، وهكذا الشأن في المؤمن - كما هو في النخلة - لا يزال فيه منفعة، بل منافع وذلك بحسب حظِّه ونصيبه من الإيمان.
سادس عشر: أنَّ النخلةَ سهلٌ تناول ثمرها ومتيسّر، فهي إمَّا قصيرة فلا يحتاج المتناول أن يرقاها، وإمّا باسقة فصعودها سهلٌ بالنسبة إلى صعود الشجر الطوال غيرها، فتراها كأنَّها قد هُيّئت منها المراقي والدرج إلى أعلاها، وكذلك المؤمن خيره سهلٌ قريبٌ لمن رام تناوله لا بالغرِّ ولا باللئيم.
سابع عشر: أنَّ ثمرتها من أنفع ثمار العالَم، فإنَّه يؤكل رطبه فاكهة وحلاوة، ويابسُه يكون قوتاً وأُدْماً وفاكهة، ويُتخذ منه الخلّ والحلوى، ويدخل في الأدوية والأشربة، وعموم النفع به أمرٌ ظاهر، وهكذا الشأن في المؤمن في عموم منافعه وتنوّع خيراته ومحاسنه.
وكما أنَّ ثمر النخلة لطعمه حلاوة فكذلك الإيمان له حلاوة لا يذوقها إلاَّ صحيح الإيمان، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وَجَد بهنَّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلاّ لله، وأن يكرهَ أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار"[٦٦] .
قال أبو محمد بن أبي جمرة:"إنَّما عبّر بالحلاوة لأنَّ اللهَ شبَّه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: {مثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَة طَيِّبَةٍ} فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصلُ الإيمان، وأغصانها اتّباع الأمر واجتناب النهي، وورقُها ما يهتمُّ به المؤمنُ من الخير، وثمرها الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها"[٦٧] .