للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو فلاّحٌ نشأ على حبّ فلاحته منذ صغره، فهو حكيمٌ في رعايته لها، عالمٌ بطرق إصلاحِها وأسبابِ قوّتِها ونمائها، صبورٌ على شدّتها ولأوائها، دقيقٌ في القيام بمستلزماتها ومتطلباتها، يهتم بنخله من أوَّل غرسه تمام الاهتمام، ويتعاهده بالسقي والإصلاح وإزالة النباتات الغريبة الدخيلة التي قد تؤذيه وتضرّه، يهتم بنخله كلِّه دون تفريق بين قويِّه وضعيفه وجيِّده ورديئه، فما كان منه قوياَّ صحيحاً سليماً فإنَّ عينَه تقرُّ به ويَسُرُّ تمامَ السرور بحسنه وسلامته وكماله، ويواصل معه في تهيئة أسباب ثباته وبقائه، وما كان منه ضعيفاً مريضاً ناقصَ النموِّ فإنَّ قلبه يألم له ويحزن لضعفه ونقصه ويتعامل معه معاملةً حكيمةً، فلا يجتثُّه من أصله ويطرحه خارج حديقته، ولا يهمله بالكلية فيتركه بدون رعاية وعناية، بل يتّخذ في سبيل إصلاحه وتقويمه التدابيرَ الحكيمةَ، والمناهجَ السليمة، َ والطرقَ الصحيحةَ القويمة، والتي من شأنها بتوفيق الله وتسديده صلاحُ نخله وثباته وحسن نمائه، ولا ينقطع عند اتّخاذ هذه التدابير عن مشاورة ذوي الفضل والحنكة والتجربة، ثم هو قبل هذا كلّه قويُّ الصلة بالله عظيمُ الثقة به، يبرأ من حول نفسه وقوّته، ويعتقد أنَّه لا حول له ولا قوّة إلاّ بالله العظيم الذي بيده أزمَّةُ الأمور، ولذا فإنّ لسانه رطبٌ من ذكر الله، يُكثر من قول "ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله"، فلا تزال حديقتُه في نماء، ولا تزال نخيله في كثرة وازدياد بمرأى جميل ومظهر حسن تؤتي من أنواع الثمار وأطايب الأكل كلَّ حين بإذن ربِّه، ثم هو عظيم الحمد لربِّه، كثيرُ الثناء عليه، عالمٌ بأنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.