فهو فلاّحٌ آخر يتعامل مع نخيله بطريقة أخرى غريبة وعجيبة، إذ يعتقد أنَّ النخلة لا يصح وصفُها بالنقص مطلقاً، فكما أنَّ النخلة الميتة لا ينفعها وجود بعض أجزائها، فكذلك النخلة الحيّة القائمة لا يضرّها نقص بعض أجزائها، فالنخيل جميعه عنده سواء في درجة واحدة، المريض منه وما اعتراه نقصٌ والصحيح، كلُّه عنده بمستوى واحد وعلى درجة واحدة، بل يصرّح بأنّه سواسية كأسنان المشط لا فرق بينه ولا تمايز ولا تفاضل، حتى آل به الأمرُ إلى عدم التمييز بين ثمار النخيل وأنواع التمور مما يُعلم بالضرورة عند كلّ أحد تمايزه وتفاضله.
ثم إنَّ هذا المعتقد الغريب أورث عند هذا الفلاح نوعاً غريباً من التعامل مع حديقته، فهو لا يتعاهدها بالرعاية، ولا يهتمّ بها في أمر السقاية، ولا يعتني بها، ولا يتفقّدها، وقد يمرض الكثير من نخيله، وقد يعتري العديد منه أنواعٌ من النقص والخلل والفساد فلا يكترث بهذا ولا يهتم، بل لا يزال مع ذلك كلِّه معتقداً تمامَه وكماله وسلامته، ولا ريب أنَّ النتيجة الحتمية لهذا التصرّف هو ذهاب حديقته وزوالها بأسرع ما يكون.