٣- وعلى فرض التسليم لهم - جدلاً- صحة ما استدلوا به على الوعد الإلهي من كتبهم، فإنا نقول إن الوعد الإلهي قد أعطي لإبراهيم أولاً عند وصوله أرض كنعان ولم يولد له ولد حينئذ (تكوين ١٢/٧) ، وتكرر الوعد حين رجوعه إلى أرض كنعان من مصر (تكوين ١٣/١٥) ، ثم تكرر الوعد ولم يكن لإبراهيم ولد (تكوين ١٥/١٨) ، ثم تكرر الوعد لإبراهيم بعد أن ولد له إسماعيل عليهما الصلاة والسلام (تكوين ١٧/٨) .
بناء على ذلك فالوعد الإلهي من حق إسماعيل عليه الصلاة والسلام جدُّ العرب والمسلمين دون غيره، لأن إسحاق الابن الثاني لإبراهيم عليهما الصلاة والسلام لم يولد بعد [٥٧] .
فإن قيل: بأن الوعد الإلهي لهم بالأرض المقدسة إرثٌ وموطنٌ أبديٌ قد ذكر في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}[٥٨] .
فالجواب: أنه بقطع النظر عن كون يهود اليوم هم غير بني إسرائيل القدماء - كما بيناه من قبل - وأن ما جاء في الآية لا يعنيهم؛ لأنها لا تشمل من دان باليهودية من غير بني إسرائيل وهم معظم أو كل يهود اليوم، فإن الحق في هذا الأمر الذي عليه جمهور المفسرين هو أن عبارة الآية ليست على التأبيد، وإنما هي خاصة بالزمن الذي وعدوا فيه بذلك ونتيجة لما كان من استجابتهم لأوامر الله وصبرهم [٥٩] .
وذلك الجزاء لإيمانهم وتفضيلهم على عالمي زمانهم سنّة إلهية في عباده عز وجل، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[٦٠] .