د - في قصة المحمل الذي كان الحاج المصري وغيره يأتي به في الموسم وقد اشتمل على الطبول والبدع، قال المؤرخون عن حجة عام ١٣٤٤ هـ:"بينما حجاج العالم الإسلامي من جميع الممالك والأقطار مجتمعون في مخيماتهم بمنى، تلفت عربان نجد وكانوا أكثر الحجاج عددا في ذلك العام فرأوا أمامهم (المحمل) القادم من الحج المصري على جمل يتهادى بين الجموع تحيط به موسيقاه وعساكره ودبدباته، وتصايحوا: الصنم الصنم! وتهافتوا يرشقونه بالحجارة وهم بملابس الإحرام ولم يكن من أمير الحج المصري إلا أن أمر بنصب المدافع والرشاشات واطلاق نيرانها على الجموع"!!.
قال الزركلي:"وأخبرني ثقات من حجاج ذلك العام أن عبد العزيز لما علم بالخبر وهو على رأس الحجيج نهض من سرادقه وأسرع يعدو إلى أن توسط ما بين العربان ونار الجند، وبسط ذراعيه يصيح: أنا عبد العزيز! أنا عبد العزيز! وكان من حسن حظ العرب والإسلام أنه لم تتناوله رصاصة طائشة أو متعمدة، وهدأ إطلاق النار وتدخل الجند السعودي وانكف الناس وأمر بحجز المحمل عن الأنظار"[٢١] .
وهكذا حل الملك هذه المعضلة بثقته بالله ثم بنفسه، وثقته بولاء مواطنيه وحب المسلمين من جميع الأقطار الإسلامية لشخصه الكريم وأسلوبه الحكيم، يقول وهو واثق من نفسه: أنا عبد العزيز أنا عبد العزيز!! وفي المفاجآت والشدائد تتكشف جواهر الأخلاق والطباع.
من هذه القبسات ومن خلال سيرته المباركة يتبين أن الملك عبد العزيز رحمه الله كان صاحب منهج له معالمه وخصائصه، فهو ملك ليس كسائر الملوك، لا يفتأ يذكر منهجه ورسالته في غمرة الأحداث، ولا ينقطع أمله بالله وبنصره حتى في أحلك الظروف.