وقد بين الله تعالى معنى هذه الكلمة في كثير من الآيات المحكمات، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}[الزخرف: ٢٦] فهذا معنى لا إله، وقوله {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} فهو معنى إلا الله، وقد عبر عنها بمعناها من النفي والإثبات، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية.
والآيات في توحيد العبادة أكثر من أن تحصر.
وهذا التوحيد هو الذي جحدته الأمم المكذبة للرسل، قال تعالى:{أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا}[الأعراف: ٧١] وجحده مشركو العرب ومن ضاهاهم من مشركي هذه الأمة، قال تعالى:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} الآية [إبراهيم:٩] وأما مشركو العرب فأخبر الله عنهم أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[سورة ص: ٥]".
[ثم استطرد الإمام في سوق الأدلة إلى أن قال] :
"فيا من يدعي معرفة هذا التوحيد اعرف هذه النعمة وقدّرها فإنها أعظم نعمة أنعم الله بها على من عرفها وأحبها وقبلها وعمل بها وألزمها، فقابِلوها بالشكر ولا تكفروها بالإعراض عنها، واحذروا أن يصدكم الشيطان عن ذلك، واعلموا أنه قد غلط في هذا طوائف لهم علوم وزهد وورع وعبادة، فما حصل لهم من العلوم إلا القشور وقد حرموا لبه وذوقه، وقلدوا أسلافا {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة: ٧٧] فيالها من مصيبة ما أعظمها وخسارة ما أكبرها فلا حول ولا قوة إلا بالله) إلى آخر كلامه رحمه الله" [١٤] .