وقد يكون "راوية نجد"معتزلا الركب كما هي عادته فيكرر أحد الرجال قول الوالد "يا عجيري تقدم"فيحث الراوية راحلته ويدنو من الوالد فيسلم ويشرع يقرأ، أجل إنك إن كنت لا تراه تظنه يقرأ كتبا من كتب الأدب أو الشعر، ولكن العجيري لا يحمل كتابا، العجيري يحمل في رأسه الأغاني والكامل والبيان والتبيين وغيرها من الكتب، وبضعة دواوين من الشعر، وله صوت منشد يحسن مده حين يرفعه بالإنشاد والإلقاء.
العجيري: ماذا يبغي الإمام؟ فصلا في مكارم الأخلاق؟ أم فصلا في الشجاعة والإقدام؟ أم فصلا في البر والتقوى؟ أم فصلا في نوادر الملوك؟ وإذا ما أخذ في القراءة أفاض.. وفي ساعات الإدلاج بعد أن تسري الحملة وأمامها العلم، وبجانبه راكب يحمل قنديلا يسمع الصوت ينادي:
العجيري.
فيدنو الراوية من عبد العزيز ويطفق يرتل طائفة من آي الذكر الحكيم ترتيلا جميلا متأنيا تكاد تعد معه حروفه.. ثم يؤذن المؤذن لصلاة الصبح، وبعد الصلاة تأتي القهوة ويستأنف الموكب السير، فينادي الوالد:
أين الشيخ؟
فيلبيه أحد العلماء، ويشرع يتلو ما تيسر من القرآن، وعند الضحى يدعو ثانية أو يدعو غيره من العلماء، قارئ الرحلة مثلا، فيسلم هذا زمام راحلته إلى خادم يقودها ويتناول من حقيبته "السيرة النبوية"أو "تاريخ ابن الأثير"أو "الترغيب والترهيب" فيأخذ في القراءة ساعة أو ساعتين بصوت عال يسمعه المتقدمون والمتأخرون في الموكب.
ويظل الموكب يسير بنظام لا يخرج عليه متضامين متآزرين، كوكبة من الفرسان تتقدمه وتكاد أحيانا تغيب عن الأنظار تستكشف.." [٤٤] .