للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإدراكا منه بأن أية محاولة لإقامة نظام سياسي مستقر في البقاع التي تم فتحها سوف تصطدم حتما بالولاء القبلي الذي هو أكثر رسوخا وأبعد عمقا من الولاء للأسس والمضامين السياسية والإدارية الجديدة التي يريد إقامتها، فقد وضع عبد العزيز خطة ذكية ذات مرحلتين، تتمثل أولاهما في إيفاد دعاة إلى القبائل المختلفة لتعليمها مبادئ الإسلام الأساسية وتشجيعها على الاشتغال بالأعمال الزراعية، أما المرحلة الثانية فتتمثل في توطين البدو في مستوطنات زراعية "تعرف بالهجر"أقيمت في نجد، وقد نجح أول هذه المشروعات وتلته مشروعات أخرى كثيرة "٦٠ مشروعا" [١٧] .

ويذكر الزركلي أنها بلغت ١٥٣ هجرة [١٨] .

وقد أثمرت هذه الخطة الإصلاحية إذ تحول معظم البدو من البداوة إلى المدنية وسلكوا سبيل العلم والعمل وبرّز منهم العديد في مختلف مجالات الحياة، وهذه منة من الله سبحانه وتعالى، إذ التحضر والتمدن من نعم الله على الإنسان ومن أهم عوامل استقرار مجتمعه لذا كان ذلك من مقاصد الدين، قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: ١٠٠] فجعل التحول من البداوة نعمة.

وعودا على بدء:

فلا جرم أن للدولة الإسلامية المعاصرة أهمية قصوى على اختلاف المحاور التاريخية والواقعية، وهي أهمية استراتيجية تتنامى في ظروف التحديات الثقافية التي يعيشها جيلنا، والملاذ بعد الله تعالى ديننا الحنيف الذي ارتضاه لنا.

قال الملك عبد العزيز: "كل حرية باطلة إلا حرية الإسلام، والإنسان لا ينفع إلا بالدين، ونحن لا نبغي محاربة أوربا، وإنما نطلب حقوقنا باتحادنا فنعتصم بالله، والإسلام أكبر وسيلة وأكبر حصن، هو أكبر من مزايا الحسب والنسب فيجب على المسلم محبة دينه وشعبه ووطنه" [١٩] .