وحج الرسول صلى الله عليه وسلم في العام العاشر الهجري ودعا الناس لموافاته في الحج فاستجاب له أربعون ألفا [٤] .
ومنذ ذلك الوقت والناس يفدون إلى الحج كل عام من مختلف بقاع الأرض، وقام ولاة الأمر منذ ذلك الوقت برعاية الحجيج والاهتمام بشؤونهم، وتفاوت هذا الاهتمام على مرّ السنين والأعوام بحسب طبيعة الدولة التي تقع مكة والمدينة تحت ظلها.
المبحث الأول
وضع العناية الصحية في مكة قبل الحكم السعودي
كانت مكة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري تعاني من ضعف العناية الصحية، ولم يكن التداوي يعرف بين أهلها إلا بالطرق القديمة والعقاقير النباتية البسيطة، وكان أفراد من أهل الهند يمارسون هذه الصناعة بمكة، كما كان نفر من البدو يعالجون الكسور بالتجبير، ويعالجون بعض الأمراض بالكي، ولم يكن في مكة في ذلك الوقت إلا مستشفى واحد تأسس قديما على نفقة إحدى كريمات السلاطين العثمانيين، وكان فيه طبيب واحد، وصيدلي واحد، ومعاون لتضميد الجراحات الخفيفة [٥] ، وكانت العناية بالمستشفيات غير كافية لأهل مكة أنفسهم فكيف غيرهم من الحجاج الوافدين على مكة؟
وفي ولاية عثمان نوري باشا [٦] في أوائل ذلك القرن تأسست دائرة الصحة في أجياد [٧] : مكونة من طبيب، وصيدلي، ومضمد للجراح، ولم تكن هذه الدائرة تستطيع أن تفعل شيئا إذا وقع أي وباء بين الحجيج حيث إنه لم تكن وسائل الاحتياطات والوقاية معروفة في ذلك الوقت - ولله الأمر من قبل ومن بعد - كما حصل في عام ١٣١٠هـ حيث اجتاح وباء الكوليرا مكة فمات من جراء ذلك خلق كثير يعدون بالآلاف، بل اضطر آلاف الحجيج أن ينقطعوا عن إتمام المناسك ويغادروا منى في أول أيام النحر، ولم تنفع جهود الدولة العثمانية في التخفيف عن الناس من ذلك الوباء بل زادت معاناتهم، واستمر الحال كما هو في عام ١٣١٩هـ حينما اجتاح وباء آخر مكة [٨] .