لقد كان الملك من دعاة العصر الذين عرفوا أسباب تأخر الأمة الإسلامية، وعلموا بما يجلبه عليهم تقليد الغرب من مصائب في دينهم ودنياهم، ولم يكن الملك غافلاً عن مواطن قوة أعداء الأمة الإسلامية، فنبه إليها، وحذر من الانخداع بالبهارج، والزخارف التي تزينها المدنية الحديثة، ولا تعود على المسلمين بخير.
لقد اتسمت دعوة الملك بالحكمة والوسطية والاعتدال، فلا مانع لديه من أن نستفيد من غير المسلمين العمل الجدي، والاتجاه إلى تحصيل القوة من مصادرها الحقيقية، مع الابتعاد عن التقليد لغير المسلمين فيما يعد مخالفا لشرع الله، عزّ وجل.
لقد كان عصر الملك يموج بتيارات عديدة ثقافية، واجتماعية، غلب كثير منها على بلاد إسلامية عديدة في المشرق والمغرب العربي، مما جعل الدعوة إلى الإسلام عقيدة، ومنهجاً في الحياة، والاحتفاظ بالهوية الإسلامية، والعربية من أهم ما يشغل الملك، واختار لدعوته أنسب المواقف حين يستقبل حجاج بيت الله الحرام ووفود المسلمين؛ لأن المصيبة عامة، والنصح مطلوب للمسلمين جميعاً في كل أنحاء الأرض.
في خطبة للملك في شهر ذي الحجة سنة ١٣٥١هـ حمل الملك على دعاة التفرنج، ونعى على المسلمين التخالف والتخاذل، وذكّر وفود المسلمين بأن المصيبة جاءت من تقليد الغربيين في مظاهر حضارتهم، ونبه إلى أن الإسلام بمبادئه في المساواة بين الناس والتناصح، والتعاون، يكفل لنا مصادر القوة، والمنعة، وحذر من تفشي الجهل في الأمم الإسلامية، ومن الميل إلى تغليب الأهواء حتى من الحكام، والزعماء، ودعا إلى الأخذ بمدنية الإسلام، ودستوره، ونظامه، وأمام وفود الحجاج صرح الملك: بأنه لا يطلب خلافة على المسلمين، ولكن يريد جمع كلمة المسلمين، ولا يبغي العلو في الأرض، ولا الرياسة على الناس.