سنذكر من خطاب الملك الديني، والدعوي في قضية وحدة الأمة، ما يشهد بتفرد الملك بين ملوك عصره، ورؤساء الدول الإسلامية في نظرته إلى وحدة الأمة الإسلامية، فقد كانت نظرة دينية وسياسية متكاملة، وهي في الوقت نفسه تخلو من التعصب لقومية معينة، ولا تعتز بالعروبة - باعتبارها جنساً - بقدر ما يعتز بها بوصفها قيما وأعرافا مستقرة، تتفق مع أصول الإسلام، وأخلاقه، وهذه النظرة تختلف في أساسها العقلي، عما ساد في عصر الملك من النزوع إلى الاتجاه القومي، بعيداً عن التأسيس الديني لقضية الوحدة، لقد كان الملك دون شك أعظم دعاة الوحدة في عصره، الوحدة بمعناها الديني، والسياسي، وليس الوحدة التي مبناها الجنس أو المصالح المؤقتة وحدها. وهي الوحدة الكاملة الشاملة، التي تشمل وحدة الصف، ووحدة القلوب، ووحدة الثقافة، والعمل من أجل رفع راية التوحيد، وخدمة الأمة الإسلامية.
يقول الملك عبد العزيز في خطبة له في ٧/١٢/١٣٥٣هـ أثناء موسم الحج:
"إن الله تعالى جعل اجتماع المسلمين في الحج الذي هو ركن الإسلام من جهة، وللتعارف والتآلف من جهة ثانية، وقد هدانا الله تعالى إلى الصراط السوي في أمور الدنيا، والآخرة، فقال في كتابه العزيز:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران١٠٣] .
ويقول الملك في نفس الخطاب:
"إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك يجمع كلمة العرب، فيوحد غاياتهم ومقاصدهم؛ ليسيروا في طريق واحد، يوردهم موارد الخير، وإذ نحن أردنا ذلك فلسنا نروم إتمامه في ساعة واحدة، لأن ذلك إنما يكون مطلبا مستحيلاً، كما أننا لانرمي من وراء ذلك إلى التحكم في الناس".
إن الخطاب الدعوي للملك في شأن وحدة الأمة الإسلامية، ظاهر في كلمات الملك تمام الظهور.