لقد جاء الدين الإسلامي بالتأكيد على قيمة الوقت، وقرر مسؤولية الإنسان عنه أمام الله يوم القيامة ووعي ذلك المتقون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم عبر التاريخ وجنى المسلمون أفضل الثمار يوم كان للوقت أهميته في حياتهم، ويوم كانوا يحاسبون أنفسهم على اليسير من أوقاتهم [٥٤] . وكان للملك عبد العزيز في ذلك أروع الأمثلة كما تقدم وحتى في سفره الذي هو بالتأكيد في ذلك الزمن محل النصب والعناء كان يستثمر وقته بشكل لم يعهد له مثيل في عصره.
يقول الريحاني:"... إذا ما طال الليل وملّ الحادي سمعنا صوت السلطان ينادي العجيري.. فيحث الراوية راحلته، وبعد أن يدنوا من عبد العزيز.. ماذا يبغي الإمام فصلاً في مكارم الأخلاق؟ فصلاً في الشجاعة والإقدام؟ فصلاً في البر والتقوى؟ فصلاً من نوادر الملوك؟..
وفي ساعة الإدلاج.. نسمع الصوت ينادي العجيري فيدنو الراوية من عظمة السلطان ويطفق يرتل طائفة من آيات الذكر الحكيم ترتيلاً جميلاً أنيقا "تكاد تعد منه حروفه"ثم يؤذن المؤذن صلاة الفجر.
وبعد الصلاة والقهوة يستأنف الركب السير فينادي السلطان: أين الشيخ، فيلبيه أحد العلماء ويشرع يتلو شيئاً من القرآن، ثم بعد الضحى يدعوه ثانية أو يدعو غيره من العلماء، قارئ الرحلة مثلاً فيسلم هذا قياد راحلته إلى خادم يقودها، ويتناول من حقيبته السيرة النبوية، أو صحيح مسلم، أو تاريخ ابن الأثير، أو كتاب الترغيب والترهيب، فيطفق يقرأ ساعة أو ساعتين بصوت عال يسمعه المتقدمون في الموكب والمتأخرون [٥٥] .
منهج حياة لا يطيقه إلا الكبار عقيدة وسلوكاً وأنيّ - بعد هذا - لقوةٍ أن تخترق من هذا منهجه أو أن تنال منه شيئاً.