للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الأمير شكيب أرسلان: "... إلى أن آل أمر الحجاز إلى الملك عبد العزيز بن سعود منذ بضع عشرة سنة فلم تمض سنة واحدة حتى انقلب الحجاز من مسبعة تزأر فيها الضواري في كل يوم بل في كل ساعة إلى مهد أمان وقرارة اطمئنان، ينام فيها الأنام بملء الأجفان، ولا يخشون سطوة عاد، ولا غارة حاضر ولا باد، وكأن أولئك الأعراب الذين روعوا الحجيج مدة قرون وأحقاب لم يكونوا في الدنيا، وكأن هاتيك الذئاب الطلس تحولت إلى حملان فلا نهب ولا سلب ولا قتل ولا ضرب ولو شاءت الفتاة البكر الآن أن تذهب من مكة إلى المدينة أو من المدينة إلى مكة أو إلى أية جهة من المملكة العربية السعودية وهي حاملة الذهب والألماس والياقوت والزمرد ما تجرأ أحد أن يسألها عما معها... فسبحان محول الأحوال ومقلب القلوب، والله لا يوجد في هذا العصر أمن يفوق أمن الحجاز لا في الشرق ولا في الغرب ولا في أوربا ولا في أمريكا، وقد تمنى المستر "كراين" الأمريكي صديق العرب الشهير في إحدى خطبه أن يكون في وطنه أمريكا الأمن الذي رآه في الحجاز واليمن وكل من سكن أوروبة، وعرف الحجاز في هذه الأيام يحكم بأن الأمنة على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل وأوثق أوتاداً وأشد أطناباً منها في الممالك الأوروبية والأمريكية، فأين أولئك الذين كانوا يقولون إن الأعراب لا يقدر على ضبطها إنسان، وأن سكان الفيافي هم غير سائر البلدان فها هو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة ومحا أثر الغارات والثأرات بين القبائل وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحاري وهو أعزل، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض أو يسأله سائل إلى أين هو غاد أو رائح... وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية فعمت أقطار الإسلام، وأثلجت صدور أبنائه، وارتفعت عن الحجاز تلك المعرّة، التي طالما وجم لها المسلمون، وذلك بقوة إرادة الملك عبد العزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع"