للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دائماً المقصود من الشريعة قبل كل شيء هو خلق الأفراد الصالحين والجماعة الصالحة وإيجاد الدولة المثالية والعالم المثالي ومن أجل هذا جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها ولا تزال كذلك حتى اليوم وجاء فيها من المبادئ والنظريات ما لم يتهيأ العالم غير الإسلامي لمعرفته والوصول إليه إلا بعد قرون طويلة، وما لم يتهيأ هذا العالم لمعرفته أو يصل إليه حتى الآن، ومن أجل هذا تولى الله جل شأنه وضع الشريعة وأنزلها على رسوله نموذجاً من الكمال ليوجه الناس إلى الطاعات والفضائل، ويحملها على التسامي والتكامل حتى يصلوا أو يقتربوا من مستوى الشريعة الكامل، وقد حققت الشريعة ما أراده لها العليم الخبير، فأدت رسالتها أحسن الأداء، وجعلت من رعاة الإبل سادة للعالم، ومن جهال البادية معلمين وهداة للإنسانية.

ولقد أدت الشريعة وظيفتها طالما كان المسلمون متمسكين بها عاملين بأحكامها تمسك بها المسلمون الأوائل، وعملوا بها وهم قلة مستضعفة، يخافون أن يتخطفهم الناس فإذا هم في عشرين سنة سادة العالم وقادة البشر، لا صوت إلا صوتهم، ولا كلمة تعلو كلمتهم، وما أوصلهم لهذا الذي يشبه المعجزات إلا الشريعة الإسلامية، التي علمتهم وأدبتهم ورققت نفوسهم وهذبت مشاعرهم، وأشعرتهم العزة والكرامة، وأخذتهم بالمساواة التامة، والعدالة المطلقة، وأوجبت عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، وحرمت عليهم الإثم والعدوان، وحررت عقولهم ونفوسهم من نير الجهالات والشهوات، وجعلتهم يعتقدون أنهم خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالحق.

كان ذلك حال المسلمين طالما تمسكوا بشريعتهم، فلما تركوها، وأهملوا أحكامها تركهم الرقي، وأخطأهم التقدم، ورجعوا القهقرى إلى الظلمات التي كانوا يعمهون فيها من قبل، فعادوا مستضعفين مستبعدين، لا يستطيعون دفع معتد، ولا الامتناع من ظالم.