للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد خيل للمسلمين وهم في غمرتهم هذه أن تقدم الأوربيين راجع لقوانينهم وأنظمتهم فذهبوا ينقلونها، وينسجون على منوالها، فلم تزدهم إلا ضلالاً على ضلالهم، وخبالاً على خبالهم، وضعفاً على ضعفهم، بل جعلتهم أحزاباً وشيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ولو أراد الله بالمسلمين خيراً لعلموا أن الشريعة الإسلامية وقد جاءت كاملة لا يشوبها نقص حاملة في طياتها وسائل التقدم والتطور المستمر للمجتمع هي أصلح الشرائع لعصور التقدم وعصور التأخر على السواء لأنها في كل الأحوال ترمي إلى تكوين الجماعة الصالحة وتوجيهها دائماً للتقدم المستمر والتطور الصالح ولا تقنع من ذلك بما هو دون الكمال.

وإن في تاريخ المسلمين لآية وإنه لعبرة لمن كان له قلب، وإن فيه الدليل الحاسم على أن الشريعة الإسلامية هي التي خلقت المسلمين من العدم، وجعلتهم أمة فوق الأمم ودفعتهم إلى الأمام، وسلطتهم على دول العالم، وإن فيه الدليل الحاسم على أن حياة المسلمين وتقدمهم ورقيهم متوقف على تطبيق الشريعة الإسلامية، فالمسلمون من صنع الشريعة كيانهم تابع لكيانها، ووجودهم مرتبط بوجودها، وسلطانهم تابع لسلطانها.

إلى أن قال: "... وليعلم هؤلاء أن سبب تأخرنا وانحطاطنا هو أننا لم نطبق الشريعة تطبيقاً عادلاً ولا كاملاً في عهودنا المظلمة المتأخرة، وإن حكامنا من الأتراك والمماليك كانوا يحكمون هواهم في كل ما يهتمون به، ويحكمون الشريعة فيما لا يضرهم ولا ينفعهم، وإذا كان سبب تأخرنا هو إهمال الشريعة وترك أحكامها فلن يجدينا الأخذ بالقوانين شيئاً بل سيزيدنا تأخراً على تأخر وانحطاطاً على انحطاط، وإنما علاجنا المجدي هو القضاء على سبب التأخر، والعودة لأحكام الشريعة.